[x] اغلاق
لذكرى رحيل الخال هاني فريد الدُّر (أبو رياض) ذِكراهُ تَنبضُ بالذِّكريات
26/5/2020 8:16

لذكرى رحيل الخال هاني فريد الدُّر (أبو رياض)

ذِكراهُ تَنبضُ بالذِّكريات

بقلم: مَارُون سَامي عَزّام

عندما يتمرَّد القدر على عمر الإنسان، فإنّه يسعى لتحطيم سعادته بشيخوخته الصّالحَة، يُطفئ شعلة حيويّته رويدًا رويدًا، ليُقصيه عن سَير حياته الاعتيادي... عطّلت سُلطة الزمن استقلاليّة الخال الرّاحل هاني الدُّر، الذي خيّمت عليه ظلمة اللحظات الحرِجَة فجأةً، حتّى كبَّلت حركته بقيود العجز الحركي عنوةً، فأصبح مُتعلّقًا بخيوط العون والحماية، ورعاية الآخرين.

النّشاط كان رفيق دربه منذ أيّام شبابه، الهمّة على العمل كانت ساعِده الأيمن، التي لم تخُن يومًا سيرته العملية التي بدأها في محطّة وقود البنزين "باز" العائليّة، التي ورثها عن والده، الجِّد الرّاحل فريد الدُّر، فأكمل المسيرة برفقة شقيقه الأكبر الرّاحل باسم... لقد اجتهد وكافح الرّاحل في سبيل صيانة آبار مجهوده وتعبه وعطائه، حفاظًا على منظومة عملية منضبطة، فصمَدَت هذه المصلحة، بفضل التزام الراحل أبي رياض، بنُظُم عمل صارمة، بالإضافة إلى جديّته التي كانت الدِّرع الواقي من أي خلل إداري.

من أولويّات الرّاحل أن يُتمّم هو وزوجته الفاضلة أم رياض، مَهَمَّة رعايتهما لأبنائهما، وتنشئتهم تنشئة مبنيَّة على محبَّة واحترام الآخرين، علَّماهم أهميَّة الثقافة الذّاتية، والقراءة الأدبية والمعرفيّة. في غرفة الأبناء، ما زلت أذكُر موسوعة "المعرفة" الشهيرة التي صَدَرَت في ثمانينيّات القرن الماضي، زيّنت رفوف مكتبة الأولاد الصغيرة، وكانت من الألعاب الفكرية المحبّبة عليّ. 

القراءة كانت من ضمن الواجبات الذّهنيّة للرّاحل أبي رياض، التي قام بها يوميًّا، وقد جعلها من الوجبات اليوميّة الإلزاميّة لتغذية عقله، منذ زمن طويل، أقول ذلك، لأنّي عندما كنتُ أزور هذا البيت في صغري، كانت القراءة ركنًا أساسيًّا من أركانه، فكنت أدخُل إلى غرفة المكتبة الغنيّة بالكتب، ولفت نظري حينها كتاب اسمه على ما أظن "الآغا" للأديب اللبناني مارون عبّود، وسمح لي خالي بتصفّحه فقط في المكتبة... ولم يأذَن لي باستعارته، لشدّة حرصه على هذه الكُتُب القيِّمَة، خوفًا عليها من الضّياع.             

زوجته الفاضلة تمام، حاولت قدر استطاعتها أن تُسعِف بجبروتها معنويّاته من التخاذل، في أزمته الصِّحيَّة الأخيرة... فكانت ساعة المنبِّه التي نبَّهتها لمواعيد تناول زوجها الدّواء. نجله البار رياض، أعتَبره الرَّجُل المدبِّر لكافّة الإمكانيّات العلاجيَّة المريحة لوالده، كي يمنحه جودة حياة أفضل، آملاً أن يمدَّ بعُمره. لم يُقصّر الرّاحل يومًا بواجباته تجاه كريمتَيه إيمان وجمان، فكانتا وسادةَ الأمان التي اتّكأ عليها في آخر حياته... جمَعَتا وقتهما في دائرة الاستنفار اليومي، لرعايته في محنته، كما كان لهما راعيًا أبويًّا مثاليًّا لهما في حياتهما. 

اعتَبَر أحفاده نهرَ فرحٍ يوميّ يجري أمامه، كي يسمع جريان ضحكاتهم، وهو يَصُبَّ في مصَب حنانه. التَّمتُّع بحُب الحياة اعتبره منظارًا ترفيهيًّا، رأى من خلاله دول العالم، تَعرَّف على معالمها السّياحيّة... خلال رحلاته، قام بزيارة شقيقيه في الولايات المتّحدة الأمريكية، الخال الرّاحل البروفِسور إبراهيم الدُّر، والخال غسّان الدُّر أطال الله بعمره، فَسَرى الحزن في عروق لوعته، وعزّ عليه فراقه، وهو في غربة عن أهله وأقاربه.

يُعتَبَر الرّاحل أحد وجهاء طائفة اللاتين في شفاعمرو، واظب على الذَّهاب إلى الكنيسة أسبوعيًّا، معتبِرًا قُدسيَّة هذا اليوم، فرضًا دينيًّا مُدوَّنًا في مفكِّرة أبي رياض... اعتبَر يوم الأحد ليس يومًا فقط للتواصل مع الرّب، بل اعتبره طقسًا عائليًّا ثابتًا لم يتغيَّر، ليقوم بزيارته الأسبوعيَّة لشقيقتيه وردة وليلى عزّام، أمدّ الله بعمرهما للاطمئنان عنهما... 

... دارت بينه وبين شقيقتَيه الأحاديث الأخويَّة المنعشة، حول رحى قضاء الوقت، حتّى أنه زارهما قبل رحيله بفترة قصيرة، لتعلُّقه بهما، كأنّها كانت زيارة الوداع... ولكن والي الموت القهّار لا يرحم أحدًا، فعندما حانت ساعة الرّحيل، أعدَّ لأبي رياض مكانًا في رحاب الحياة الأبديّة، إلاّ أن ذكراه الأزليَّة حيَّة بيننا، ستَظَل تنبض بالذِّكريات في قلوبنا طوال الأيّام.