[x] اغلاق
الفستان الأحمر
4/6/2020 9:45

   الفستان الأحمر

زهير دعيم

أُصاب بالدّهشة حين أدخل أحيانًا الى بعض المواقع الألكترونيّة  المحليّة ، فأروح أتذكّر كلمات المرحومة جدّتي : 

" إحنا بإيش وهِنِّ بإيش ".

فالسّخافات والترّهات  " تسدّ النفس"  وتمنع الشّهيّة ، فمجتمعنا العربي المحليّ ،  الذي يغرق بوبأ الكورونا  وبالعنف وحوادث الطّرق والاعتداءات على المُعلّمين ، يفوز بقسط صغير من الاهتمام والرِّعاية والتحليل والمقالات ، كذلك العالم العربي من حولنا  الذي يغرق بشلّالات الدّماء والتفجير والجوع والعملة الهابطة نحو الحضيض والغلاء المُستشري وصرخات الفقراء، تضيع وتخبو أمام :

نِسرين طافش تتألّق بالأحمر بعيد ميلادها

نانسي عجرم تتألّق بيوم الحبّ بفستان أسود برّاق

هيفاء وهبي تُلفت الأنظار بتنورةٍ ليْلكيّة 

و....

وكلّ يوم  " فستان شكل"  لفنّانة  "  غير شِكل " يكوْكب هنا وهناك ، وكأنّ الناس " فاضية مُتفضيّة"  لتعرف انّ المطربة فلانة لبست الأحمر أم النيليّ  بعد ان خلعت الِبطِّيخي.

    والأدهى والأمرّ علامات السؤال التي أخذت تملأ العناوين : 

هيفاء تغضب في تغريدتها الجديدة ...لماذا ؟!

 النجمة أمل بشوشة تتألّق بإطلالة من وحي التسعينيات .... متى  ولماذا ؟ .

 غريب ... مَن يجد الوقت  ليدخل ويقرأ مثل هذه التّفاهات.

 لم أسمع مرّة أنّ فيروز تألقت بفستان ما ، رغم أنّها تألّقت كثيرًا ، ولكن بعد أن انتشى سامعوها ومشاهدوها من روعة صوتها وادائها وحضورها ، وكذا الامر مع  ام كلثوم وماجدة.

 فهل اضحى الفستان الاحمر المشقوق يا ترى هو هو بيت القصيد  أم أنّ الفنّ أبعد وأرقى وأروع ؟!!

  لسنا ضدّ الفنّ بل بالعكس فالفنّ الجميل الهادف ، الرّاقي يستحقّ منّا أن نُصفّق له وننشر عنه ونواكبه ،  وكذا الأناقة الجميلة الموزونة، ولكن أن نترك المهمّ والأهمّ والمعنى والفحوى والواقع المرير ، ونروح نركض خلف ذيل فستان هيفا المشقوق ، فأمر يدعو الى الشّفَقة .

 غريب  هذا الزّمن  الذي أصبح الأصيل فيه منبوذًا ، مهجورًا ، مرذولًا ، وأضحى الشّكل والمظهر والتنورة الليْلكيّة القصيرة عنوان الفنّ.

جوعنا في هذه الأيام يجب ان ينصبّ ليس على هذه الخزعبلات ، بل الى ما يُلوّن حياتنا بالطمأنينة والفنّ الرّاقي والسعادة والمحبّة والعلم وكسرة الخبز.

 

  جوعنا أن نقول للكورنا " ربّنا يوخذك" ونقول  للعنف  : " أتركنا ، حٍلّ عنّا ...شبعنا دمًا ويُتمًا وجوعًا !!!

 جوعنا اليوم الى السماء،  والى ما هو افضل ، لنلحق  الرَّكب العالميّ الذي خلّفنا وراءه بعيدًا بعيدًا.