[x] اغلاق
لـمن هـذه الابتِسامـة؟!!
23/9/2020 8:13

لـمن هـذه الابتِسامـة؟!!

بقلم: مارون سامي عزّام

كما يغازل الفجر عيون العشاق النائمة لتستيقظ مستقبلةً معه دفء نور الشمس... هكذا مرّت ابتسامة تلك الفتاة الزاهية بجمالها، فوق رصيف عينيَّ. لاحظتُ أن أمواج الحيرة والاستغراب تلاطمت في بحر عينيها الهائج ذكاءً، لكني لم أعرفها. كنت أراها يوميًّا، كوكبًا مضيئًا بالأناقة، فيُزوّد أنوثتها بموارد الحياء والرقّة والحيويّة، لكن رغم كل هذا، كان مرورها جدِّيًّا، كمرور جنديٍّ في استعرضٍ عسكري، لا يلتفت لأي جهة. 

كانت هذه الفتاة، بالنسبة لي مجرّد عابرة لسبيل نظراتي، إلى أن تعثّرتْ بابتسامتها في ذلك اليوم، خلال مسارها اليومي لمكان عملها، ربّما لم تقصد! ومنذ أن لمعت تلك اللحظة بوجهي، بدأتُ أتدرّب على نظام استلطاف جديد، غير مألوفٍ، أنظمته غريبة، مقتبسة من منظومة وديَّة دخيلة عليّ... لربما أرادت من هذه الابتسامة أن تقُصّ شريط البعاد الذي بيننا، لتفتتح صالة التقارب؟!! 

القِفّازان الصوفيّان اللذان غطيَا يداها، تحدّيا برودة الجو، تسارعت خطواتها المتوتّرة من ملاحقة قنّاص البرد لها، الذي حاول اقتناص القِفّازين بأي طريقة، برصاص برده. تمنّتْ أن تصل بأمان إلى منزلها الدّافئ، لتجلس أمام موقد الحطب، الذي سيلتَهم بردها حالاً، ليُحرقَ مشهَد ابتسامتها الذي لم يعُد موجودًا على شاشة ذاكرتها الهامشيّة!!

ليتها أجابتني لمن هذه الابتسامة، ولكنها لم تُجِبني!! بل مضت بعيدًا، حتى غدت كنجمٍ بعيدٍ في أعالي السماء، لا تطوله يداي، فقلت في خفايا ذاتي: "إذا كانت ابتسامتها القمرية هذه لي أنا، فيا لسعادتي، لأنها حوَّلت ريح الشتاء الباردة إلى نفحاتٍ دافئةٍ.

ابتسمت أنا لها أيضًا، على غير عادَتي... وهمستْ دواتي لريشتي: "أن انغمسي بي واسكبي فوق أوراقي، قطرات دهشة، كي تتّحد معًا لتُكوّن كلمات استجوابيّة، وما هي إلا ثوانٍ أو بعضها، إلا ووجدت ريشتي تجتهد، محاولة بشتى طرق الإبداع الوصول إلى بصمة هذه الابتسامة، التي انطبعت كالوشم في ذاكرتي، تأبى الزّوال، تريد أن تزف إليها بشائر الود والمحبة. 

أصبحت كلماتي المستوحاة من واقعي الحالم، الشُّغل الشّاغل لأفكاري التي تراكضت جذلاً في خيالي، لخدمة خاطرتي، التي تحاول رسم ملامح هذه الابتسامة الآسرة. خسف الزمن ابتسامتها، تمنيت لو أستطيع اختطاف نجم غدٍ واحدٍ يجمعني بها. مَدَدتُ يدي الواهمة، فلسَعَتها النجوم بلظاها، تتوق عينيَّ لرؤية طائر هذه الابتسامة مجدّدًا، لأضعه في عش لهفتي. 

سألتني عيناي عن كُنهِ بريق التساؤل الذي يسطَع من فنار عقلي، أجبتها: "لأنّني أبحثُ عن مثقاب الفرح، الذي سيثقبَ ظلمة حيرتي، ولن أتوقّف عن تفقّد درب صاحبة تلك الابتسامة، إلا ساعة أدرك لمن أطلقتْ عنان تلك الابتسامة، هل كانت لي؟ أم كانت لسواي؟ ليتني أدري!!