[x] اغلاق
ما بعد ... سقوط شفاعمرو
23/9/2020 11:40

ما بعد ... سقوط شفاعمرو 

تغريد ابو رحمة جهشان – محامية شفاعمرو – يافا

لا ادري ان كانت الحياة  في فترة ما قبل سقوط شفاعمرو وعند سقوطها كما كتبت بمقالي السابق " وكان لا بد ان تسقط شفاعمرو .." (صحيفة السلام يوم 2020/7/17 ) اصعب منها ما بعد سقوطها , فان المقارنة هي ما بين الاصعب والاصعب .... 

استفاق اهل شفاعمرو يوم 1948/7/15على واقع مأساوي انهارت به كل اركان الحياة في البلد انهيارا كاملا : عسكريا كانت هزيمة معركة هوشة والكساير ومن بعدها احتلال البلد , سياسيا – مع احتلال اليهود للبلد وفرض نظام اداري عسكري متشدد ,اقتصاديا - بعد سيطرة الحكم العسكري ودوائر اخرى على الاراضي ما جعل الزراعة وهي فرع معيشة اساسي شبه مستحيلة وعدم الحصول على تصاريح تنقل للعمل خارج البلد في حيفا ومصفاة التكرير في المفراتس وغيرها سببا لانتشار البطالة وانعدام المواد الغذائية تقريبا وصعوبة شرائها ان وجدت, اجتماعيا – التهجير ومحاولات العودة  الصعبة  والغير مضمونه التي فككت المبنى الاجتماعي والعائلي خاصة ان الكثير من الازواج والابناء اعتقلوا وافرج عن بعضهم وطرد البعض الاخر الى الدول العربية , نفسيا – لعل ذلك اصعب معاناة على المستوى الانساني . يستدل على هذه الاوضاع من الكثير من مراسلات اهل البلدة للاوساط المختصة ووثائق عامة اخرى في ملفات وزارة الاقليات المتعلقة بشفاعمرو في ارشيف الدولة .

C:\Users\ג'השאן\Desktop\شفاعمرو\תמונה.jpeg

 

بداية وثيقة تلخص الاوضاع كتبها أ.شلوش وم. بيامنتا يوم 1948/10/18.من أهم ما ورد بها شرح تولي ادارة البلد :

اولا  : الحاكم العسكري طوبيا سفرنين ويخضع للحاكم العسكري في عكا وعليه التواصل مع ممثلي البلدة بواسطة ضابط ارتباط عين لهذه الوظيفة المرحوم شكري مباريكي,على ان تدار البلد من قبل "لجنة بلدية شفاعمرو" وليس البلدية, واعضاءها هم رئيس البلدية جبور جبور وسليم فرح عن المسيحيين ,حسين عليان وصالح خنيفس عن الدروز والدكتور موفق ذياب وحسين نمر عن المسلمين , لجميعهم الرحمة . الا ان   جبور جبور بقي يوقع  على المراسلات العامه  بصفته رئيس بلدية شفاعمرو اضافة ان وزارة الاقليات كانت تتوجه اليه بصفته هذه. ولكن  يبدو ان اللجنة لم تكن فعالة , ولم تتعاون مع هذا التعيين .عدا عن استقالة عدد من اعضاءها . 

 

هذا وقد وصفت الوثيقة المرحوم جبور جبور كالتالي :  "لا يمكن اعتبار رئيس البلدية  من "رجالات"  الحكم الجديد الا ان معظم سكان البلد يؤيدونه ولسوف ينتخب من جديد بدون ادنى شك في حال اجراء انتخابات"  . 


 

ثانيا : مدير قسم االقرى في فرع وزارة الاقليات في حيفا  , مردخاي شيخبيتس 

ثالثا : ضابط المخابرات في البلد حاييم ابربوخ .

من الوثيقة يستدل انه كانت صراعات واضحة حول صلاحيات كل من المسؤولين اعلاه .  

اضافة للجنة البلدية فقد كان هناك مخاتير للبلد : المرحوم جبور جبور عن طائفة الكاثوليك ,المرحوم  يوسف عصفور وهو تاجر وعمره 55 عاما عن طائفة البروتستانت, والمرحوم سعد نكد وعمره 35 عاما ووصفه بانه يكره الدولة كرها شديدا عن الدروز , والمرحوم حمادة محمد حمادة عن المسلمين .  

لقد كان يفرض على البلدة حظر التجول من الساعة السابعة مساءا وحتى الخامسة صباحا ولا يسمح لاي من السكان مغادرة البلد مهما كان السبب الا بتصريح من الحاكم العسكري . . لقد كانت هناك حاجة ماسة لتصاريح يومية للعمال للوصول الى حيفا ومناطق اخرى وقد جاء بالوثيقة ان التصاريح محدودة جدا مع الكثير من التذمر بان هناك تمييز واولويات في منح التصاريح  وان البطالة متفشيه البلد . 

كانت البلدة تعاني من نقص بالمياه والعلاج الطبي اذ كان بها طبيب واحد فقط , ومن مشكلة التعليم اذ ان المدرسة الحكومية استخدمت كعيادة  طبية للضرورة وكان راي الحاكم العسكري ان تبقى كذلك لانها تناسب ان تكون عيادة منها مدرسة .كذلك كان هناك نقص في مادة الاسمنت للبناء .  

الى هنا ملخص معظم ما جاء بالوثيقة ولكن يجب التعليق على قضية اعطاء التصاريح بان هذه التصاريح كانت اداة في ايدي السلطة لتسيير الامور كما تشاء للاشخاص الذين ترغب بهم وعلى استعداد للتعاون معها. كذلك  هذه التصاريح كانت مهمة ليست فقط من اجل العمل وانما للتجارة ايضا حيت كان الحصول على الكثير من احتياجات البلد من المدن المجاورة كحيفا وعكا .

هذا هو وصف عام من قبل الجهات الرسمية  لاوضاع البلد بعد الاحتلال ,الا ان المراسلات في ملفات ارشيف الدولة تشير بشكل مفصل الى معاناة السكان. ولنبدأ بالناحية الزراعية فهي مرتبطة بشكل وثيق بالناحية السياسية والعسكرية .في تلك الفترة كان موسم القمح والسمسم والذرة , فالقمح لا زال بالحقول وبحاجة للحصاد منذ شهر ايار ولكن العمليات العسكرية حالت دون المزارعين من الوصول الى اراضيهم واما بعد احتلال البلد فقد كان لزاما استصدار تصريح للوصول الى الحقول  لجني المحاصيل. هذه التصاريح لم تعط بسهولة وكان بها الكثير من المماطلة كما حصل مع المرحوم رشيد حبيبي الذي وصل الى ارضه ليجد ان الجيش قد حصد القمح وعبئه ب 27 كيسا قام بتحميلها وسرقتها وقد طالب المرحوم باستعادة المحصول بواسطة مطران طائفة البروتستانت او التعويض الا انه  من غير الواضح ماذا كانت نتيجة المراسلات .  

حادثة اخرى تشير الى سرقة محاصيل تعود الى ملاكين دروز من  البلد  توجهوا الى المحامي الدكتور انجل يونا لمتابعة الموضوع مع مفتش الاملاك المتروكة  المسؤول عن اعطاء  التعليمات لكيبوتس مشمار هيام بحصاد مزروعات القمح والشعير والذرة ودفع ثمنها للقيم على املاك الغائبين من اراضي تعود ملكيتها  بشكل موثق رسميا لعدد من سكان شفاعمرو الدروز. اما اصحاب الاراضي فهم 52 شخصا ومنهم : من عائلة خنيفس – يوسف ابن صالح ,يوسف ابن حسين ,يوسف واخوانه ابناء صلاح , سعد وابنه نايف , محمد وسليم  وصالح ابناء احمد . من عائلة حسون : نجيب, عطالله , اديب ,علي وحسن . من عائلة الشوفانيه – زيدان, سلمان, سليم ويوسف. من عائلة الشعبي - حكمت وعبدالله  وعلي  وسلمان . وغيرهم ومنهم : سعد نكد , حسن ونجيب ابو سمرة , صالح عليان , سليمان ابو رعد ,عطالله الدعقة  ,سعد وسليمان حمادي وآخرين.  

هذه القضية جوهرية ليس فقط لانها دليل على نهب المحاصيل الزراعية من اهل البلد وانما تثير الشكوك حول الادعاءات التي وردت في كثير من سرديات التعاون الدرزي اليهودي التي ادعت ان الدروز حصلوا على امتيازات مقابل تعاونهم مع المحتل ومنها السماح لهم بجني محاصيل اراضيهم بينما منعت الطوائف الاخرى من ذلك , قد يكون ذلك حصل فعلا ولكن بشكل محدود خاصة انه كان لذلك ثمن مثل الموافقة على التجند للجيش الصهيوني .

 لقد كان قلق الدروز على جني محاصيلهم سببا للضغط على القائد العسكري العربي  شكيب وهاب من جيش الانقاذ  الذي اقام  في شفاعمرو حتى يوم 1948/5/22 كي يجد طرقا للتفاهم مع اليهود بهذا الشأن خاصة ان هذا القائد كان في حالة من اليأس بعد هزيمة معركتي هوشة والكساير في شهر نيسان 1948 , نفاذ الاسلحة , واللاجئين  ومشاكل اخرى مع اهل البلد. من كتاب البروفيسور قيس فرو " دروز في زمن الغفلة – من المحراث الفلسطيني الى البندقية الاسرائيلية , صفحة 168 . 

لقد استغلت القوات الصهيونية قضية المحاصيل كاحد التكتيكات المساهمة في تهجير السكان فقد اصدر الجنرال يغئال يدين امرا عسكريا يوم 1948/7/13 يمنع الفلسطينيين من حصاد حقولهم . وفي يوم 19 من الشهر ذاته اضاف " كل حقل للعدو يجب ان نحصده , وكل حقل لا نستطيع حصده يجب اتلافه . وينبغي علينا منع العرب , في اية حالة , من حصاد حقولهم " وقد جاء في ملفات وزارة الخارجية في ذلك الوقت " ان مسألة جمع المحاصيل , في كثير من مناطق البلد, تخدمنا كورقة مهمة في ايدينا . والدليل على ذلك هو السماح للدروز في شمال البلاد بجني محاصليهم , بينما منع ( سكان ) القرى المجاورة من عمل ذلك , وهم الان يهيمون حولها جياع  "  المصدر نفسه , صفحة 174  . 

اضافة لذلك فقد جاء في ملفات ارشيف الدولة المتعلقة بشفاعمرو عند التداول بشان قضية الدروز من شفاعمرو , ان وزارة الزراعة  قد اتفقت  مع مستوطنات  مرج ابن عامر في اوائل شهر ايلول بان يقوموا بالعمل في اراضي معينة حول مدينة شفاعمرو ولم يرد بالرسالة اي استثناء لاراضي الدروز. رسالة وزارة الزراعة  من يوم 1948/11/28 لوزارة الاقليات . 

هذا من ناحية ومن الناحية الاخرى فقد جاء في رسالة المحامي انجل يونه الذي توكل بالقضية انه تلقى تلميحا من موظف في مكتب مفتش الاملاك المتروكة انه من غير المحبذ ان يتابع  المحامون اليهود قضايا للدروز الامر الذي اثار حفيظته وبالتالي التساؤل هل فعلا حظي الدروز بامتيازات خاصة . 

هذا وسوف نتابع اوضاع  النواحي الاخرى في البلد , الاجتماعية , السياسية , والاقتصادية مع التركيز على قضية التهجير واللجوء في مقالات لاحقة  : " ما بعد بعد  سقوط  شفاعمرو " .