[x] اغلاق
حوار مع أمرأه
23/2/2010 18:45

لبستُ ثيابًا أنيقة, دخّنت سيجارة, ثم خرجتُ من داري وركبت السيارة قاصدًا أحد مقاهي شارع "هيلل". كنتُ على موعد مع السيدة ناهد درباس, صحفية وناشطة اجتماعية وسياسية. صففت السيارة في أول مكان وجدته وخرجتُ تحت المطر مسرعًا إلى المقهى كي لا أتأخر. جلستُ في المقهى وسرعان ما توجّه إلي النادل. لم أتمكن أن أميّز من منظره إن كان عربيًا أم يهوديًا فكلمته بالعبرية طالبًا "نس كافيه". في الغرفة الداخلية جلست بعض الصبايا اللواتي كن "يمقلتن" بالعربية عن فلان وعلان. مضى الوقت وأنا أستمع الى "مقلتة" الصبايا ثم جاء النادل مع القهوة. أشعلتُ سيجارة وأخذت رشفة من القهوة وفكرت كم هو لطيف أن يجلس المرء أحيانًا في مقهى بدلاً من البقاء في البيت. إنها إحدى ميزات المدن, قلت لنفسي. بعد برهة جاء بعض الشبان وبدئوا يعلقون "بوسترات" لأحد العازفين المحليين, فبدأت أتحدث مع أحدهم عن الموسيقى المحلية. ونحن مستغرقان في الحديث, وإذ بناهد تدخل المقهى وتحيّي الشباب ثم تأتي وتجلس أمامي وترسم على شفتيها ابتسامة واسعة.
بكل لطف اعتذرَتْ عن التأخير. قالت أنها تعرفني وتقرأ مقالاتي الأسبوعية بمتعة. أما بالنسبة لي, فقد كانت هذه أول مرة أتعرف فيها عليها. فهمتُ منها أنها عملت في الماضي كصحفية في صحيفة في صحيفة "كولبو" المحليّة التي تصدر في حيفا, وذلك إلى جانب عملها كصحفية حرة في الصحافة العربية والأجنيبة والعبرية. في مدار حديثها عن الصحافة المحلية, قالت أن التكنولوجيا في بداية عملها في  لم تكن كما هي عليه الآن. يومها لم يكن هنالك حاسوب ولا بريد الكتروني, لذا كانت ترسل الصور للصحيفة بالتاكسي الى الناصرة, كما وكانت ترسل المقالة, مكتوبة بخط اليد, عبر "الفاكس". خلال اللقاء روت لي الكثير من ذكرياتها كمراسلة صحفيّة. من ضمن ما ذكرته كان أنها سافرت مرّة إلى غزة لتغطية لقاء بين وفد برئاسة رئيس بلدية حيفا آنذاك, وبين محافظ غزة, وأن الجميع ذهبوا بعد اللقاء إلى مطعم سمك على شاطئ غزّة وتمتعوا بوجبة لذيذة. وهي تستعيد ذكرياتها توقفت للحظة ونظرت نحوي بنظرة حزينة وقالت "أما الآن فالأمر مستحيل, غزّة كما تعلم مغلقة ومحاصرة". حين سألتها إن كانت عضوًا في نقابة الصحافيين, أجابت بالإيجاب لفترة معينة وأضافت أن الأمر معقد وأن هنالك رقابة من قبل جهاز المخابرات, "الشاباك", والذي يملك القرار النهائي حول من يُقبل للنقابة ومن لا يقبل. من حديث الصحافة, ربما بإيحاء من الـ"بوستر" الذي علقه الشباب, انتقلنا للحديث عن الفن المحلي. قالت أن الفن عندنا لا يحظى بما يستحق من اهتمام من قبل الصحافة المكتوبة والمرئيّة, وأن علينا أن نجتهد لتغيير الوضع. وهي تقول هذا نظرت إلي نظرة جدية وقالت "إحدى عيوبنا, نحن عرب البلاد, هي أننا لا ندعم الثقافة", واستطردت تقول بأنها تشعر بالفخر حين ينجح فنانون محليون في فنهم وعملهم. وحين سألتها عن علاقتها مع اليهود, قالت بأنها تتعامل مع الآخر اليهودي كمؤسسات وأنه ليست لها علاقات شخصية معهم. علاقاتها مع اليهود الذين تعرفهم, بحسب تعريفها, تبقى في إطار علاقات الزمالة وليست علاقات شخصية.
بعد اللقاء عدت إلى البيت كي أحضر وجبة العشاء لزوجتي التي كانت على وشك أن تأتي من عملها. وأنا أقطّع الخضار لتحضير السلطة, فكرت بناهد وهي تقول بأنها امرأة تواجه الحياة وتعيش مع ابنها بتواضع. بعد أن أعددت الوجبة, جلستُ وأشعلتُ سيجارة وقلتُ لنفسي "الصحفيون كثر, وكلُ منهم يحاول أن يلتقط صورة خاصة به عن الحياة الكبيرة والواسعة. هنالك مكان لتعدد الآراء وزوايا النظر ومن الضروري أن نفسح المكان لشخصيات غنيّة وفعّالة كناهد