[x] اغلاق
أبحثُ عنكَ في ليل الفُراق
11/1/2022 10:33

أبحثُ عنكَ في ليل الفُراق

بقلم: مارون سامي عزّام

دخان كثيف من السحب الحاقدة، حجب أشعة الشمس في مثل هذا الموسم الشّتوي... وراحت السماء تصب غضب سيلها فوق بيتي، واصطكّت عظامي من البرد. جلستُ أمام نار الموقد، وسخط الطبيعة يهاجم الأبواب ونوافذ البيت بلا رأفة، وهدير غضبي من سلوكك اللامبالي، ما زال يهدر بقوة في قلبي، تكاد ألسنة نار الموقد تُحرق لهفتي إليك، لتجعل من ذكرياتي معك مجرد رماد، جرّاء إهمالكَ لي. كم أنا متخوّفة من اشتعال فتيل حرقتي أكثر، عندها ستبدأ غيرتي تدفع بتفكيري نحو تغطية مناطق عقلانيتي، لأني حقًّا أفتقد لحبيبي... نَبَقَ بذاتي هذا التساؤل: ما باله منصرف عني؟ هل وجد حبًّا آخر غير حبي أنا؟ أيعقل ذلك؟! فأنا ما زلت أتذكّر كلماته العشقيّة البرّاقة بالإبداع، التي سطَعَت رُقيًّا، حلّقت حولي... لاحقتني من زقاق لزقاق... طاردَتني على شوارع لهفته، لدرجة أن كلماته لم تهتم لشارات مرور المجتمع. الآن بدأتُ أشعُر أنّك فقدتَ ثقتك بي، لأنّك دائمًا في حالة شُرود عنّي... صرتُ مثل طفلةٍ صغيرةٍ، فَقَدَت والديها في الزحام، حقًّا لقد غدَوت بغيابكَ طفلة، أبحثُ عنكَ في زحام تفكيري!، حتّى غَدَوتُ لقيطةً في ليل الفراق الجليدي... لقد حرَّكَت بداخلي شرنقة القلق غصب عني، لا أدري ماذا أفعل؟! أو كيف أتحرر منها؟! أجبني أيها القبطان المسافر في بحر وجداني. أضأتُ شمعةً صغيرةً في غرفتي، تمايلت شعلتها من هبوب نسمات الشتاء عليها، حسبتها نسمة أمل آتية من صوبكَ. لكن تبين لي أنّي ما زلت تحت تأثير زمهرير رياح القنوط التي تزداد هبوبًا، لتقتلع مسكنك الوديع من قلبي القلق عليكَ... حبيبي لقد استأثرتَ على كياني، بتُّ أسيرة دوي صوت الرعد. ألاَ توقظ الغيرة، الحب من سباته؟!، غيرتي أنا، دونًا عن الفتيات، تُبَقْبِقُ بداخلي غيظًا، وأنت لا تبالي. أذكُر مرورك المكّوكي بجانبي، فكُنتَ تدُوس على ظلّي دون أن تشعُر، أطراف جسدي نادتكَ عن ُبعد، بإشارات سريّة، حتّى ترنو إليّ، أو تحرّك ساكنًا رومانسيًّا، لكنك لم تلتفت إليّ أبدًا. حاولتُ افتعال أي حجة لترى شغفي بك، إلا أن كل اجتهادي من أجلك، ضاع هباءً، أمام تباهيك المصطنع، الذي تراكم أمامي ككومة استفزاز لي، لا تريد إبعادها من أمام وجهي!! بعد لحظات... سمعتُ قرعًا على الباب، فقمت من جانب الموقد لأفتحه، وإذ بها صديقتي وزميلتي في الكلية. لاحظت على وجهي إمارات الحيرة، وقالت لي: ما بك حائرة؟ هل يشغلكِ أمر ما؟ وبعد إلحاحها أجبتها: كل ما هنالك، أنّي أمقت تغاضي ذلك الدون جوان المدّعي، فإنه يحرق لوعتي، مثلما تحرق النار بلهيبها البرد القارص. لم تُجِبني صديقتي بشيء، بل راحت تتأمل نار الموقد لعلها تجد بين حطبها، جمرة غروره الكاوية لقلبي، لأرتاح من هذا العذاب، وبعد ثوانٍ قالت: دعك من هلوستك وأوهامك هذه، إنّها موجة بعاد عابرة وستنتهي بظهوره"، أجبتها: "أريده لي، أريده أن يضعني في أولويّاته! لكن ماذا أفعل لأجعله، يضحّي بغروره الأجوف؟!" أجابت: "لا شيء، فالزمن كفيل بأن يقدم لك ضحية غروره على مذبح اعترافه بحبه لك، أرجوكِ ثقي بكلامي صديقتي، ولا بُدّ أن تتفتح براعم اللوعة في حقل لامبالاته، ليقدّمها لك باقة أعذار!!" ساد الصمت بيننا لبرهة وجيزة، كأننا ننتظر لحظة رؤيا حبيبي على شاشة الانتظار المبهرة بالتساؤلات. لقد أتعبنا التبصير... ضاق بنا رداء اللحظات المليء بثقوب التكهّنات، وصار الوقت يمضغ الملل ببطء... همَّت صديقتي بالذهاب قائلة: "وداعًا عزيزتي". أجبتها: "نلتقي غدًا في الكليَّة". بقيتُ مقيدة بحبال الوحدة، ورحتُ أتمشى في فناء البيت، ذهابًا وإيابًا، كأنّني فقدت خاتم الحظ السّعيد!! أيها المتشرد في وطن الشّرود، إنّي أستغيث بك أن تعود إلي، لتفكَّ وثاق الحيرة الذي أوثقت أعصابي به، صرتُ أخاف من صوت أنين الوحدة... ذئاب القدر على وشك أن تقطَع سلاسل عمري الممتدة معك، لتركض نحوي من غابات الزمن الغدّارة المزدحمة بالشرور، كي تنهش أيامي الجميلة، التي أمضيتها برفقتك، فغيابك بات أطول من ليالي فصل الشتاء الماطرة. آه لحظة، الآن تذكّرت سبب غروره، أذكُر أنّي مررت ذات يوم بسيارتي بجانبه، دون أن أنتبه له، لأني كنت منشغلة بتطريز كنزات الأحاديث الدّافئة مع صديقتي، التي لفتت انتباهي إليه بعد أن تجاوزته، إذًا لهذا السبب يثأر غروره منّي، ولكنّي أقول له بصراحة شديدة: "إني آسفة جدًّا"، ربما سيعذرني بهذه الكلمة الصادقة، ليمحق بظهوره ليل الفراق الدّاكن!!...