[x] اغلاق
بربكم... اختصروا يا خَلْق
11/8/2022 13:02

بربكم... اختصروا يا خَلْق

بقلم: زايد صالح خنيفس

مواسم الأفراح ما زالت في أوجها، والفرق شاسع بين حالتي الفرح والحزن، ولكن هذا هو حال الدنيا، فلا شيء يمحو الحزن والدموع، إلّا مشهد الحنّاء، والأحرف الأولى لعروسين توّجَا حبًّا وحلمًا في بناء عش دافئ، تحميه آمالهما.

شدّني هذا الأسبوع موضوع اجتماعي هام، رغم معرفتي بأن الأفراح هي شأن شخصي يحدد مساحة قلمك وتفكيركَ، ولكن هل يُعقل أن يحضر والد عريس إلى بيت أحد أصدقائه، ليدعوه أوّلًا لفرح ابنه، تاركًا له عشرون بطاقة دعوة، ليختار من يشاء، وصاحب الفرح لا يعرف شخصيًّا هؤلاء، وجل همّه أن يقال عنه بأن عرسه كان مهرجانًا شعبيًّا، بحيث لا تميز بين السحجة والفحجة.

رحم الله امرئ عرف حدّه ووقف عنده، وللأسف لم تعُد أي قيمة لهذه العبارة، ضاعت في عجقة تكاليف المناسبات الباهظة جدًّا، وهذا يذكرني على المستوى الشخصي عندما قرّر المرحوم والدي أن يزوّج أربعة من أبنائه في يوم واحد، حينها دعا أبناء عشيرته في بلده، وبعض أصدقائه من باقي الطوائف، رافضًا ومصرًّا ألّا يدعو أقرباءه في قرى الكرمل، وتم العرس على أحسن وجه، فبمئة مدعو تستطيع أن تقيم عرسًا، وبمئتين مدعو أيضًا، والمهم القيام بواجبهم والأمور لا تقاس بالعدد بل في قناعة ذاتية مبنية على الاختصار وإدراك معرفة حدودنا، لأنه لا يعقل في الأدبيات الاجتماعية أن تُعظّم فرحك من أجل جاهٍ فارغ.

ما أروع إنسان عرف واجباته تجاه مجتمعه وأضحى جزءًا لا يتجزّأ منه، لأنه معرّض أن يمر بمحطات حزينة ومفرحة، فلا يستطيع الواحد منا أن يقبع في بيته، غير مبالٍ بما يدور حوله من أحداث اجتماعية، والحياة ما هي إلّا واجب ومؤازرة ومواقف، وحياة الإنسان بعرضها وليس بطولها، فكم من شخص رحل عنّا إلى العالم الآخر، دون أن تعرف به نسمات مرّت من هنا.

البشر تخلّد بأعمالها، ورحم الله من اختصر بمناسباته وسما بتكليفه، فمن دخل مجلسًا لتقديم العزاء، وجب عليه أن يشعر بأهل الفقيد، مبتعدًا عن المصافحة، والاكتفاء بتقديم التعازي وجهًا لوجه، فلا يمكن معاقبة أهل الفقيد مرّتين، فما أروعنا عندما نشعر مع الآخرين، رافعين العناء، فرحم من قال: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".

التواضع بتصرفاتنا أسمى ما نملكه، فعنجهيّة الأمور لا تنم إلّا عن بعد في فهم الحياة، والاختصار في مناسباتنا أصبح حاجة ملحّة، ترفع بها التكليف وتبعث بها رسالة واضحة، الاختصار مفتاح التواضع، لأن الله يحب المتواضعين.