[x] اغلاق
الصلحة مسبحة تناثرت...
16/8/2022 14:33

"الصلحة" مسبحة تناثرت...

بقلم: زايد صالح خنيفس

المرحوم الأستاذ رجل المجتمع والإصلاح الياس جبور جبور، وثَّق تاريخ شفاعمرو الماضي، ليُشكِّل جسرًا ذهبيًّا، يجمع ما بين حاضرها ومستقبلها، ولم يترك زاوية وإلّا وسلّط الضّوء عليها، وقد أصدر الرّاحل عشرين كتابًا وأكثر، كما وبادر أبو جبّور، لإقامة مؤسّسة "بيت الأمل"، في الحي القديم من البلدة، فمن هنا سعى لإقامة أول أكاديميّة للسلام في العالم، لتوثيق العلاقات بين الشّعوب. أثناء زيارتي للكاتب مارون عزّام وقع بين يدي كتاب "الصلحة" في نسخته الإنجليزية، وهو يشرف شخصيًّا على تصميم نسخة جديدة للكتاب. والواقع أراد الرّاحل أن يؤكِّد بأن الصلحة العربية، كانت وستبقى المادة التعليمية التي تُدَرَّس في جامعات العالم وكلياتها، وعلم الوساطة، ما هو إلّا نسخة مطوّرة، مأخوذة من واقع وتقاليد المجتمع العربي، تؤكّد على أهمية الحوار، من أجل الوصول إلى أفضل حلول الوسط عقد الرايات عبّر عن فتح الصفحات الجديدة للخلاف مهما كان حلّه مستحيلًا أو معقدًا، فبوجود جاهات الصّلح العربية التقليديّة، باتت رجاحة العقل هي بوصلتهم، بعيدًا عن العواطف والقبليّة، وكل ذلك لحقن الدّماء بين المتخاصمين، والحياة هي أثمن هديّة ربّانيّة. حاول البعض إقامة لجان إصلاح، ولكن الواقع غاب عنهم، بأن رجل الإصلاح يجب أن تجتمع به صفات جوهريَّة أساسيّة، لديها القدرة على حسم الخلاف، حاصلًا على ثقة الله أوّلًا، وثقة الناس كمرحلة ثانية، وأن يحمل ضميرًا حيًّا، قادرًا على الوقوف على الحياد، وأن يطرح حلولًا، في حال تعقيدها، وأن يمتلك الشجاعة على قول الحق، وأن يكون ذا قدرة على امتصاص ساعة الغضب أوّلًا وأخيرًا، وبينه وبينهم العلي القدير، ورجال الإصلاح يمثّلون الخير للجميع، من أجل رفعة الأخلاق، نجدهم مكلفين ومندفعين غيرة بحب الناس. رجال الإصلاح ليس فقط ارتداء العباءات البِيض المزخرفة، بل هي عباءة خشوع لله، وإنصاف المظلوم، عند النطق بحكمهم العادل... الرحمة للذين عقدوا وعزموا وثابروا من أجل التئام الجراح، وستبقى آثار بصماتكم محفورة مدى الدّهر في ضمير الإنسانيّة إلى الأبد. كتاب أبو جبّور بنسخته الإنجليزيّة، يُعيد حاجتنا إلى إعادة نموذج الماضي الجميل، عندما كان مجتمعنا متراصًّا بعاداته وتقاليده الأصيلة، حينها كان للجاهات هيبتها ووقارها، ورب بيت كان يفرض هيبته، وللمسبحة كان لها معنى بين أصابع اليد، لأنه للأسف الشديد تناثرت حبّات مسبحة الوئام، وغدت مسبحات اللئام هي الحَكَمُ.