[x] اغلاق
لؤلؤتي في سلَّة الماضي
23/8/2022 9:25

لؤلؤتي في سلَّة الماضي

بقلم: مارون سامي عزّام

أذكُر عندما التقيتُ بها أوّل مرّة، كانت تتوهج دلالًا، وشقاوة العشرينات تلُوح في سحنتها، ولكن قبل ضياعها مني، وتحديدًا عندما "صُعِقَت" من ضربة حبّي، قلت لها بصوتٍ أوتاره متوتّرة ومشدودة: "أنت طليقة أحلامك، ومن الآن وصاعِدًا لن أضغط على زناد مُسدّس خياراتي العشقيّة، لأرهبكِ به، من أجل أن تختاريني عنوةً، لقد تركتكِ تسيرين على مسار تفكيركِ الحُر كما أردتِ". جعلَتني أنحني لجمالها غير المنصف بحقي، الذي أثار متعة إلهامي، رغم أنّي لمحت في فضاء انتظاري، نجمة أملٍ نورها خافِت جدًّا، أضاءت مدار صبري. حاولتُ قدر استطاعتي البقاء في دائرة ضوئها، فجأة اختفت بين غمام الغموض. حاولتُ العثور على مصدر سطوع لؤلؤتي، لأظلّلها بأغطية رقّتي... ولكن لقد كان هذا مجرد حلم يقظة فرضه عليّ تفكيري. صَفَفْتُ حروف النّسيان فوق صفحة الزّمن، وألقيتُ بلؤلؤتي في سلّة الماضي، لأنّ تلك المدَّعيَة اعتبرتْ حُبّي مجرّد ورشة عمَل مُسَلّية، وضعَتها ضِمن فعّاليّات أوقات فراغها!! حاولَتْ كثيرًا أن تجعل قلمي عبدًا لها... حاولَتْ جَلْدَهُ بسُوط الفراق... تآمرت عليه، ليملأ دواته، كي تجعله يسكب ثانيةً في كوب سهَري، "حلاوة" تصرّفها اللزج، لأُخرِج لؤلؤتها من سلّة الماضي، تعتقد أنّي ما زلت أتَتَبّعها!!، فللحال تصدّيت لمحاولاتها، وارتحتُ من عناء الكتابة عن حبٍّ مُبهمٍ... مسلوب الإرادة، عاجز عن الإبداع اللغوي الذي أتميّزُ به. أبقيتُ قنديل ذاكرتي الشّاحب مشتعلًا، دون أن أطفئه، لأنّي أرتعب من ظُلمة التّشاؤم، أخاف أن تلفّني برهبتها، أيضًا لا أريد أن يتعقّبني صمت ضميري، الذي يحاول معرفة مكان سلّة الماضي، ليُعيد تلك اللؤلؤة إلى قلبي، فغافلته، وتركت السنين تقوم بتدويرها، وباتت مسحوقًا للنّسيان!! دون انتباه منّي تناثرت حبّات سلسلة ذكرياتي رغمًا عنّي، فتبعثر بعضها... بضع حبّات تسرّبت بين شقوق أرض الواقع المتشققة من الجفاء... تهشّم بعضها لهشاشة هذا الحب الزجاجي، وبفضل نباهتي، التي أكّدت لي أن هذا اللمعان، كان انعكاسًا لأشعة شمس تخيّلاتي عليه. لم أجد مثل نوعيّة هذه اللؤلؤة عند الصّاغة، بعد أن اكتشفتُ حينها أنها لم تكُن فريدة بنوعها، بل كان بريق حنانها مغشوشًا... نصاعة وفائها غير طاهرة... وزنها الفكري خفيفًا، غير مُثقَل بالتعقّل... أتذكّر أني أهديتها يومئذ جوهرة الصّداقة الغالية عليّ، لكنها رفضتْ التمسُّك بها، وأغرَقَتها في أعماق محيط الأيام، أمّا الآن، أتمنّى من كل قلبي أن تكوي حرقة النّدم صنيعها معي بمكواة أسفها!!