[x] اغلاق
عندما توقّف قلب شفاعمرو
24/8/2022 17:55

عندما توقّف قلب شفاعمرو

بقلم: زايد صالح خنيفس

ينتابني شعور غريب، كلّما مررت في حي الزّقاق القديم والتاريخيّ، مارًّا بشارع جبّور جبّور وبجانب باب الحواصل، ونحو المنحدر المؤدّي إلى الحارة الغربيّة، في منعطف بناية الحاكم العسكري (المكتب)، يُطِلُ نظرك على حي العين، ففي هذه المسافة كان ينبض قلب شفاعمرو في ذلك الزمن الجميل. الشعوب الحضاريّة تحفظ تراثها، وعندما تحل كسائح في أحد المواقع، يصحبك المرشد السياحي إلى الأحياء القديمة التي حوّلتها الشّعوب إلى مناطق تتردّد في مغادرتها، فهنا برج شُيِّد في الزّمن الغابر... وسور شُيِّد بهمّة الرّجال... وكنائس أبدع في زخرفة جدرانها مبدعين، وأزقّة ضيّقةٍ صنعت من حجارة قديمة، أقيمت في زواياها مقاهٍ وجهها نحو نهرٍ منبعه جبال الألب، وقممٍ رسمت وجهها الناصع البياض، وجسر وردي على نهر زرقته لا تشبه ألوانًا أخرى. في منتصف الأسبوع تواجدتُ في حي الزّقاق، ووقفت بجانب الدّرج المؤدّي لقلعة الظاهر عمر، وهنا تصلّبت عيناي نحو الشّمال، فانطلق صوت الأذان من مئذنة المسجد القديم، وانتصب خزّان المياه وقلعةٍ مغلقة، فهنا يبدأ طريق الأديان كما سماه السّابقون، ففي المحيط، السوق القديم، وكنيسةٍ وكنيس قديم، ومربّع شهِد أحداثًا ومحطّات رسمت وجه بلدٍ، نظر إليه البلاد، وحضرت لمقامه العباد. إني لا أفهم منطق البعض ومن سمّوا أنفسهم "قيادات محليّة"!!! ولا أفهم تفكير رؤساء كانوا في موقع القرار، نسُوا إحياء قلب مدينتهم، فعجزوا عن إطلاق مبادرة أو تخطيط شاملٍ، يُحي ما كان فخرًا لشفاعمرو، وطريق الأديان لم يبقَ منه إلّا مجرّد شارع مرصوف بالأحجار السُّود، لا تُعبّر إلّا عن شحوب التّخطيط، فضاعت لافتات تأخذكَ لمواقعٍ كانت حينها مزارًا يوميًّا لأهالي البلدة ومحيطها المجاور. من يملك مُغُر بيزنطيّة ومن يملك قلعة عثمانيّة بنتها سواعد صليبيّة، كيف تسوّل له نفسه أن يصمت طوال هذه السّنين، ولا تمرُّ أسراب السّائحين بين أزقّةٍ حاربت المعتدين، وعاش على جانبيها أهالٍ عرفت معنى التضحيات، وقدّست انتماءها، وأكلتها غيرتها على بلدها. مهما امتد جسد المدينة في الاتجاهات، فإن الأصل يبقى قلب المدينة، فإن توقف نبضه، مات الجسد، وإن قرعنا ناقوس الخطر أكثر من مرّة فإنّنا لن نفقد الأمل بأن تولد أجيالًا ستعيد كتابة تاريخ بلدها، وتجعله واقعًا ومنارةً تُبقي بصيص ضوء مشتعلٍ في نهاية النفق.