[x] اغلاق
تيران فرّو ومشاهد من الماضي
24/11/2022 8:09

تيران فرّو ومشاهد من الماضي

بقلم: زايد صالح خنيفس

في هذه السّاعات والأيّام القادمة يجب أن تكون الحكمة والعقل سيّدا الموقف، رغم العواطف الجيّاشة التي واكَبَت حدث اختطاف الشّاب المرحوم ابن الكرمل، تيران فرّو. العقل والحكمة يقودانك في مثل هذا الظّرف إلى اتّخاذ مسئوليّة عليا، للحفاظ على مجتمعكَ، بكل أطيافه ونسيجه الرّائع، الذي يُشكّل أمانة وطنيّة في ضميرنا ووجداننا.

لقد أعادني مشهد الاختطاف إلى تاريخ حُفِرَ في ذاكرة الأوفياء لأهلهم، وهو 1939/1/1، عندما اختُطِف جدّي المرحوم، الشّيخ حسن صالح خنيفس، مع شيخين آخرَين من منازلهم في الحي القديم، على يد عصابات عربيّة ادّعت "الوطنيّة"، ووجّهت التُّهَم إلى قيادات شريفةٍ كانت شعاعًا لمجتمعٍ ومنطقة حدودها أقاليم في الشّمال والشّرق والشّام، وكان لهذا الحدَث المفصَليّ تأثيرًا كبيرًا على مجريات الأحداث التاريخيّة التي عصَفَت بفلسطين.

الفوضى في أي حركة تحرُّر مدعاة إلى السّقوط والتّشرذم والزّوال، وإبقاء شعوبها ترزح تحت الظُّلم، مبتعدة نائيةً عن تحقيق طموح إقامة دولتها وتحديد كَيانها. في ظل غياب قيادة حكيمة تأخذ بشعوبها إلى شواطئ الأمان، والفوضى تلغي أحلام أمّةٍ تتطلّع إلى استقرار أمانها وتحقيق أمانيها.

اختطاف الشّاب تيران كشَفَ في الواقع مأساة شعبٍ فَقَدَ وِجْهَته، يتوق لحلٍّ سياسي يلُوح في الأفق، وكَشَفَ ضُعف قيادةٍ سياسية في ظل تعنُّت سياسي إسرائيلي صارخ، بل فَضَحَ بأن ليس كل من حمل سلاحًا في أزقّة جنين، قادرًا على التمييز بين المواقف الإنسانية والسياسية. 

ما كان ذنب تيران فرّو الذي أتى بسيارته لإصلاح عطلٍ فيها، أن يقع في حادث سير مع رفيقه، فاحتضن إصابته مشفًى محليًّا لإنقاذ حياته، فانقضّ على غرفته شبّانًا مسلّحين، واختطفوه عمدًا، ظنًّا منهم أن ما قاموا به هو عمل بطوليٌّ، سيُهيئ الوضع لإقامة الدولة العتيدة، ليرفرف علم فلسطين على أسوار القُدس... لقد كان تَّصرف هؤلاء الشّبّان ساقطًا، أضاعوا بجهلهم مكاسبًا سياسية، وأيقظوا شيطان التّفرقة النّائم، وضرب نسيج اجتماعي حسّاس للغاية.

إن ما يُثلج الصّدر في هذا الحدث المأساويّ، ردود الفعل من القيادات العربيّة المحليّة وعلى رأسهم الشّيخ رائد صلاح، أيمن عودة، منصور عبّاس، عبّاس زكّور ومحمَّد بركة، وغيرهم من قيادات أدركَت هَول المصيبة وأبعادها. 

تأثرنا بموقف إنساني لعائلة الفقيد، عندما ناشدت وزير الأمن بعدم القيام بعمليّة عسكريّة، ستكون نتيجتها فقدان جندي ستبكي عليه أمّه، مُسطّرة بهذا الموقف المشرّف أصالة إنسانيّة، مانحة الفرص للحوار والمفاوضات. 

الحكمة في مثل هذه الظّروف الصعبة تحتاج لرجالها، أمثال الشّيخ موفّق طريف ورؤساء المجالس والمشايخ والعقّال، وقيادات عامّة، ورحيل تيران يجب أن يكون عبرةً ودرسًا يقودنا إلى تحمُّل المسئوليّات والخروج من ركامها بأقل ضرر وبصمات قد لا يمحوها الزّمن.