بقلم-عطا مناع
لأنهم يدركون أن المستقبل لنا يفكروا ليل نهار في استحداث أبشع الأساليب لقتل جذوة النضال فينا، فصراعهم معنا لا يقتصر على الدبابات وسلب الأراضي، هو بالأساس صراع إرادات بالأساس، ويستهدفون من هذا الصراع السيطرة على الوعي الفلسطيني وتعميم فكر الهزيمة والتسليم بالأمر الواقع، وقد نجحت الدولة العبرية إلى حد ما في السيطرة على شريحة لا بأس بها من شعبنا، وما الخطاب الفلسطيني السائد إلا نتيجة منطقية لغياب الوعي لدى الذين يراهنون على دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وتعتبر حرب الإرادات الحلقة المركزية في صراعنا مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكانت السجون ولا زالت اخطر هذه الأدوات، حيث استطاعت الحركة الفلسطينية الأسيرة إحداث قفزة حقيقة في حرب الإرادات وحققت انجازات تحسب لها سواء على بما اصطلح على تسميته معركة الأمعاء بخوض الإضرابات عن الطعام أو الصمود في مسالخ التحقيق الإسرائيلية، وقد قدمت الحركة الأسيرة مئات الشهداء ومنهم الشهيد قاسم أبو عكر التي تصادف اليوم الذاكرة الواحد والأربعون لاستشهاده في مركز المسكوبية.
إن هزيمة دولة الاحتلال في المواقع المتقدمة واقصد السجون دفعتها إلى انتهاج إستراتيجية وقائية تستهدف الأطفال الفلسطينيين، أنة سجن الفارعة الملاصق لمخيم الفارعة والقريب من سجن نابلس، وقد افتتح هذا السجن في أواسط الثمانينيات خصيصا للأطفال الفلسطينيين الذين خضعوا لعملية تعذيب ممنهجة لا لإسقاط وتحييد اكبر عدد منهم.
كان سجن الفارعة يستقبل العديد من الحافلات يومياًن وكانوا يستقبلون الأطفال الفلسطينيين"بحفلة" قوامها الركل والهراوات والإسطبل، وكانوا يسمون أنفسهم بأسماء غريبة لإدخال الرعب في نفوس المعتقلين الأطفال، ومن هذه الأسماء أبو خنجر وأبو سيف وأبو جبل .....، كانوا يستخدمون العنف من اجل العنف، وكانوا يقيدون الطفل المعصوبة عينية لأيام في ممر طويل ليسهل عليهم المراقبة وممارسة عقدهم النفسية على أطفالنا، وكانوا يعلقون الأطفال في"البكرة" من أيديهم لإحداث اكبر قدر ممكن من الألم ولقتل الروح فيهم.
جاء الانتفاضة الثانية التي أثبتت فشلهم، فهي انتفاضة أطفال الحجارة التي صدمتهم ودفعت بهم إلى حالة غير مسبوقة من الإرباك، ونحن نتذكر القرارات القاسية التي اتخذتها دولة الاحتلال بحق المنتفضين وعلى رأسها سياسة تكسير العظام والرصاص المطاطي وبعدة الرصاص البلاستيكي، وبهدف كسر الشوكة وإعادة الكرة مع الأطفال الفلسطينيين افتتحوا معتقل النقب الصحراوي الذي زُج فيه ألاف الفلسطينيين ومنهم الأطفال، وبالطبع افتتحوا العديد من السجون في الأراضي المحتلة عام 48 .
اعتقد أنهم نجحوا وخاصة بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1994 ، ليعانوا نفس المشكلة عام 2000 مع اندلاع انتفاضة الأقصى التي وضعت النقاط على الحروف وبعثت برسالة واضحة لدولة الاحتلال مفادها فشل سياساتهم بحق الأطفال الفلسطينيين، ولا بد من الاعتراف بأنهم حققوا نتائج لكنهم لم يحسموا معركة الإرادات التي يخوضونها ضد الشعب الفلسطيني والواقع يثبت ذلك.
لقد سقط جراء سياسة الاحتلال الإسرائيلي بحق أطفال فلسطين الآلاف من الأطفال وبالتحديد في الانتفاضة الأولى التي فجرت الطاقات الوطنية ولقنت الاحتلال درساً دفعة للوقوف مطولاً أمام هذه الظاهرة الفلسطينية التي أدهشت العالم ومنظمة التحرير الفلسطينية الغائبة عن المشهد ما دفع بالراحل ياسر عرفات بتسمية أطفال فلسطين بجنرالات الانتفاضة.
لم يكن هدف الحركة الوطنية الفلسطينية زج الأطفال في الصراع ، لكن الجنون الإسرائيلي شمل كل الشرائح وعلى رأسها الأطفال وعن قصد لإدراكهم أن الفرصة متاحة للقضاء على الجذور في المهد قبل أن تنمو ويستفحل الخطر، لكنهم فشلوا مرة أخرى،كيف ولماذا؟؟؟؟؟
من المجدي الاعتراف أن سياسة القمع والتضييق التي تمارسها دولة الاحتلال على شعبنا ليست عفوية، فحجز النساء الحوامل على الحواجز لساعات هي سياسة استهداف للأجنة في بطون أمهاتهم، وقد أدت هذه السياسة إلى استشهاد العشرات من النساء تحت سمع وبصر الجنود وسيارات الإسعاف وبالتالي موت الأجنة، والفلسطيني المتابع يعلم أن بعد النساء يضطرن للرحيل قبيل الولادة وخاصة في قرى الشمال الفلسطيني المحكومة ببوابات تفتح وتغلق على مزاج جنود الاحتلال.
لا يقتصر العنف الذي تستخدمه دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال الفلسطينيين على الجسدي، وقد أكدت العديد من المؤسسات التي تعنى بحقوق الأسرى الأطفال والشهادات المشفوعة بالقسم على استخدام أسلوب التهديد والتحرش الجنسي بحق العشرات من الأطفال الفلسطينيين خلال عملية التحقيق بهدف ربطهم مع المخابرات الإسرائيلية وتنظيم جيش من العملاء أو تحييد ما يمكن تحيدهم عن عملية الصراع والانخراط في العملية التحررية، وقد نجحت دولة الاحتلال نسبياً....لماذا؟؟؟؟؟
بعد اتفاقية أوسلو نفضت القوى الوطنية الفلسطينية يدها من عملية البناء الوطني، وسلمت الراية للمؤسسات الغير حكومية، وقد أدى غياب القوى الوطنية إلى إحداث ثغرة ثقافية من شأنها تعزيز المواطنة والانتماء التي تشكل سداً منيعاً أمام الاختراقات الإسرائيلية للأطفال الفلسطينيين الذين باتوا مستهدفين من أكثر اتجاه، فإذا لم تسقط في حبائل المخابرات الإسرائيلية فمؤسسات التطبيع بالمرصاد، ودور هذه المؤسسات واضح ....تفريغ العقول وإيجاد جسر من التواصل مع متخصصين إسرائيليين هدفهم تحيد الفلسطيني والسيطرة على وعيه.
وقد تطرقت في مقال سابق لمحاولة تنظيم جلسات مع أهالي جنود إسرائيليين وعائلات شهداء وأطفالهم، ومن اجل ذلك تصرف عشرات الملايين من الدولارات سنويا، ويستطيع المتابع إذا أمعن النظر أن يرى في كل قرية ومدينة ومخيم أكثر من مؤسسة خاصة بالأطفال، بالطبع هناك مؤسسات لها أهدافها النقية.
إن دولة الاحتلال الإسرائيلي تستغل وتستخدم كل الوسائل لتحيد الأطفال الفلسطينيين وخلق جيل غير مبالي ومغرق في حالة من الاغتراب من جانب وقتل ما يمكن قتل سواء روحاً أو جسداً، وتأتي هذه السياسة كتمهيد لقطف نتائجها بعد عقدين من الزمن، تخيلوا أن نجحت سياستهم....... لكن الواقع يثبت فشلهم، ولكل ما سبق علينا إخضاع المؤسسات الفلسطينية التي تنشط في صفوف الأطفال لعملية متابعة ومراقبة لخطورة الحالة.
قبل أسابيع وقف بعض الشبان وواحدة من الداعمين اسمها على ما اعتقد باربرة أمام مؤسسة إبداع في مخيم الدهيشة لتحتج على سياسة المؤسسة التي تقول أنها جديدة وبعيدة عن الأهداف التي أوجدت من اجلها، وكأنها تقول حذار من التوجه الوطني وألا..؟؟؟؟؟.