[x] اغلاق
لذكرى رحيل الصّديق سامر مصلح صليبا سَتَبقى تُسامِر نُجوم ذكرياتي
28/3/2023 8:18

لذكرى رحيل الصّديق سامر مصلح صليبا

سَتَبقى تُسامِر نُجوم ذكرياتي

 

بقلم: مارون سامي عزّام

 

ذئب القدر ما زال يلاحق البَشَر، حتّى يُسمعهم عواء الوداع، يحذّرهم بأنه سينقضَّ على إنسان آخر، تاركًا لهم أشلاء الهول، الذعر والصَّدمة، فنثروا حولها ذهولهم. المفاجأة أن الفراق هذه المرَّة كان علقمًا، صفعني مجدَّدًا على وجه عمري بقبضته الحديديَّة المدوِّية، إلى الآن لم استوعبها، مزعزعًا أركان ذهني عندما قرأت مشدوهًا في ذلك الصّباح على صفحة الفيسبوك خبر رحيل زميلٍ آخر، وهو سامر مصلح صليبا... فقلت في نفسي: "لماذا يختار الموت الأخيار دائمًا؟! كيف يجرؤ أن يسحب بساط ريعان الشّباب من تحت أقدام سامر باكرًا؟!"، وهو الذي صارع المرض بشراسة بالماضي. 

حاولتُ أن أحبسَ دموعي خلف قضبان حزني، إلّا أنها بلّلت شرفة عينَي، اختنق صوتي في أعماق تأثّري الذي لا يوصف، لأن هذا الخبر بالنسبة لي كان لحظة قاسية جدًّا، قضى على خيار صراع بقاء سامر بيننا، لفَّ المرض لفافة سنيه بسرعةٍ فائقة، رفض حتّى أن يمنحه فرصة الدّفاع عن مصيره الحتمي أمام هيئة حظَّه المتعثِّر، أو يرافع عن حقه الوحيد بالحياة، أمام قاضي قضاة الزمن الغادر.                

سامر الغالي لم يكُن مجرّد زميل عادي في الصّف، بل كان صديق عمر حقيقي، جلسنا سويًّا على نفس الطّاولة، تشاطرنا معًا لحظات مدرسيّة جميلة لا تُنسى... تقاسمنا فروض المودّة والودّ التي باتت منهاجًا اجتماعيًّا يوميًّا، أقوى من أي منهاج مدرسي... تبادلنا كُرات المزاح والضحكات في ساحة المدرسة، تركناها تُحلِّق في فضاء اللهو أثناء الفسحة المدرسية الصّباحيّة. خلال دروس الرّياضة كان وجهه يتورَّد كالبرقوق، لحركته الرّشيقة وشدَّة نشاطه الدّائم مع زملائه في الصف، الذين آلمهم كثيرًا رحيل جزءٍ من ذاكرة طفولتهم، لأن الفقيد كان يُقَدِّس هذه العلاقات.

سرقتَ منّي أيُّها القَدَر ضحكاته التي كانت تملأ وجهه سعادةً برؤيتي، فكانت البوصلة التي وجّهته صوب حب الآخرين. إن آخر لقاءٍ لي مع سامر كان قبل أقل من ثلاث سنوات، إذ التقيته أثناء فترة الكورونا على هامش الطريق، وقد كانت تعليمات الإغلاق صارمة للغاية. أثناء حديثنا جاء الشرطيّ ليبعده عنّي، فاستأذنه سامر بأدب، لكنه لم يُصغِ له، وافترقنا بسرعة... حينها كان محافظًا على سِحرِ بشاشته التي باتت أيقونته أينما حلّ، أبهرت جميع من عرفه، بشعاع لطفه الوهّاج الذي فاض عليهم مرحًا ودعابةً.

ميزة سامر أنه صديق معتَّق بالصِّدق والوفاء النادرين هذه الأيّام... كان وفيًّا للذكريات التي عشناها وعُدنا تعايشنا تفاصيلها الغنيّة بلآلئ الأخلاق التي تلألأت بالإنسانيَّة الطاهرة والصافية، الخالية من شوائب المداهنة والتملُّق والاستهتار. أبو كلود ينتمي لأسرة أصيلة، لوالدين ما زالا يسمعان صوت جرس فرحه يقرع باب ذكرياتهما... ما زال أصدقاؤه يسمعون صدى رنين تربيتهما الصّالحة، يتذكَّرون سمعته الطيبة، هذا أعظم إرث تركه سامر، وترك لي أمانة الذِّكرى التي أحتفظ بها في خزنة ذاكرتي.

رحيلك بالنسبة لي أصعب اختبار أمرُّ به يا سامر، لأنّي أوَّل مرَّة أفقد صديقًا وأخًا عزيزًا عليّ... سأفتقد لجلساتنا على مقاعد المراهَقة. فيا أيُّها الفقيد النّائم على سرير الأبديَّة، لماذا طعنت روحي بخنجر الافتراق الدّامي؟!، إنّ غيابكَ مفزع لأسرتك التي ما زالت تبكيك بدموع الحسرة، لقد تركتها تعاني من فراغ وجودك بينها... هشَّمت أضلُع حنينها إليكَ. اعلَم أن السّماء تليق بأمثالكَ حيث تسكن روحك. لقد ودَّعك محبّوك وداعًا لائقًا، وأنا ودَّعتكَ الوداع المؤلم والقاهر لي شخصيًّا رغمًا عنّي، فأنت الآن بشفاعة الرّب، تُسامِر نجوم ذكرياتي.  

May be an image of 1 person and outdoors