[x] اغلاق
رُتبة الشّرف آنسة!!
27/6/2023 10:15

رُتبة الشّرف "آنسة"!!

بقلم: مارون سامي عزّام

ما زال ماضيَّ يلاحقني... يتجسَّس عليّ... ينقل إلى ضميري الذي أعتَبِره عَدُوِّي معلومات ذاكرتي السريَّة لأعترف بجنايتي تجاه نفسي... يُحاول كَسْرَ قيود عزوبيَّتي رغمًا عنّي. ارتَطَمَت عربة نفسيّتي المتوترة والمتشنّجة بحائط عنادي، لأني ولا مرّة انتبهت لإشارات العُمُر التي تُحَتِّم عليّ الالتزام بها، بل خالفتها... عمِلْتُ على تأليه ذاتي...  تفوَّقتُ على نرجسيَّتي!!   

لا أجد متنفّسًا ترفيهيًّا لأموري الخاصّة، ولكي أتفادى الملل أنهمك بتنظيم أوقات وظيفَتي التي أشتغلها من المنزل، أو أتواصل مع صديقاتي، كي نقوم بأنشطة تلائم سنّنا، أحيانًا أخرجُ معهن لنجلس في أحد المقاهي، نداعب لحظاتنا في حلبة الانشراح المؤقت، هذه أجندة أيّامي... في الخلفيّة رقابة السّنين الصّارمَة جدًّا تتحكَّم بعمري، تحذف مشاهد اللهو، التأمل وتسكُّعي الفكري لأنّها تُفسِد أفكاري. أثناء فسحة راحتي التي بالكاد أقتطعها، أجلِس لأُراجع مصنّفات حياتي، تصفّحتها فاكتَشَفْتُ أنها ضحلة بموارد التكيّف مع البيئة التي من حولي.

مع مرور السّنين انتسبتُ إلى موقع الفيسبوك الذي سمّيته "المخبِر الاجتماعي"... أنشأتُ صفحةً، وصرتُ أقتبس منشوراتٍ تحاكي عقليَّتي كغيري من بنات جيلي. اختَرْتُ صورة ملفِّي الشّخصي من ألبوم مراهقتي ولم أغَيِّرها لتَكُون قناعَ سعادتي الجميل الذي أتحسَّر عليه... لم تَعلَق صنارة حب استطلاعي بموقع الفيسبوك كثيرًا، إنّما انتسبتُ إليه لأنه خفِّف من نار غضبي على تصرّفاتي... 

وجدتُ في هذه الشَّبكة عزاءً لي بَعْدَ أن انضمَمت إلى مجموعة العازبات، قرأت حكاياتهنّ ربّما تُنظّف ذاكرتي من قذارات تجاربي السّابقة الموجودة في مختبَر علاقاتي الشَّخصيَّة القديم، لماذا أُسمّيها "قذارات"؟ فهذا هو الهروب بعَينه، ألَم أخُضْها مع الآخرين بمحض إرادتي دون إكراه من أحد؟! لذلك أنا المسئولة الحصريَّة عن تلطيخها "بإصراري" على حفر مزيدٍ من مطبّات الأعذار للشُّبّان!!

إلى هذا اليوم ما زلتُ أحْمِلُ على صدري رتبة آنسة، وأمامي درب طويل لأصل إلى رتبة عروس أو أعلى، رغم أن الأمر متعلّق بي أنا فقط، وملازمي النّصيب هو من يُقرّر متى أحصل على رتبة أعلى، لعلّي من خلال شبكة الفيسبوك أستطيع التَّعرّف افتراضيًّا على شاب يستحقّني، هذا التصرّف فيه خداع لمشاعري التي أدخَلتها في سُباتٍ قسري... فيه كتمٌ لأحاسيسي!!

عندما أعود إلى البيت وأدخل غرفتي، أشعر كأنّي داخلة إلى نادي الحنين المليء بذكريات الطّفولة التي تناديني لأداعبها، مليء بصيحات النّدم على حبّات العُمُر التي تركتها تضيع منّي خلف زوايا الخوف وخلف بوّابات الأيام المغلقة، التي أتاحت لي فرص زواج عديدة، التي استحقَّت منّي مزيدًا من الاهتمام، لكنّي أقول بكل ألم، أنّني آثرتُ الإذعان لظّروف الزّمن التي خيّرتني ما بين رعاية أهلي وبين الزّواج الإجباري لإرضاء رغبتهم، إلّا أنّي فضّلت خيار رعايتهم، والاستقرار مدى الحياة في مقَر العزوبية.

في سنّي البالغ لن يكون الحب حاضرًا في قراري المصيري، وضعته في صندوق الخرافات، أقفلت عليه منذ أن بلغتُ الأربعينيّات، ولم يعُد المنقذ الذي سيسمع استغاثتي من أعماق يأسي!! لأنّ هذا الشَّخص الذي سيتزوّجني مَهَمّته رعايتي والمحافظة على كرامتي، أنا من جهتي لن أُهْمِلَ واجباتي المنزليّة... سأراعي طلباته... سألبّي متطلّباته ضمن ضوابط معيّنة نتّفق عليها مسبقًا.

يومًا ما سأنال رتبة "عانس" من الدّرجة الممتازة، سأحصل عليها عندما يصل جسدي إلى سن التقاعد الحِسِّي!! حينها تكون أنوثتي قد غدت قطعة جليديّة، فاقدة للملذّات التي حُرمتُ منها بإرادتي الحديديّة، فيا للسّخرية! تحوّلتُ إلى امرأة تنفر من شهواتها... أشتهي أن تكون أنوثتي عطري اليومي لأتمتّع بها، لو استطعتُ التغلّب على أفكاري المتخلّفة عن العلاقة الحميمة بين الرّجل والمرأة، لكان حالي أفضل.

اكتشفتُ متأخِّرًا أن مسار تجاربي المتعب قد أنهكَني. ما زلتُ أسمعُ صدى صوت الحظ يناديني من أعماق بئر التَّعقُّل لأنتشله منه... حاولتُ مرارًا الاستمرار قُدُمًا... حاولتُ أن أكون وسيطة حياديّة بيني وبين تردّدي لكن دون جدوى. صرتُّ امرأة عاجزة، مقهورة من الدّاخل، فرضتُ على نفسي عقوبة العنوسة الأبديّة، وها أنا الآن أمام المجتمع مثال اجتماعيّ حي...!!