[x] اغلاق
امرأة في عشوائيّات الحياة
31/8/2023 7:24

امرأة في عشوائيّات الحياة

بقلم: مارون سامي عزّام

امرأة تعيش في عشوائيّات الحياة، تصارعت يوميًّا مع الحاضر من أجل أن يعترف بها أنها عُضوة فعّالة في الإدارة المجتمعيّة... أحبّت أن تكون سيّدة مؤثِّرة كغيرها، ولكن الظّروف همَّشتها. تحاملت على حظّها، لأنها لم تنَل أبسط التفاتة من معارفها حتّى، فانتفضت عليهم. صارت عديمة المبالاة للغير... تصرفاتها لاإراديَّة... لا تُعير اهتمامها لأحد... لا تُذعِن لنصيحة أي شخص... بدأت تتعامل مع عجائب الإنترنت من خلال هاتفها الذّكي وتطبيقاته الساطعة ذكاءً من شاشته، التي وجدت فيها تحدِّيًا شخصيًّا لاكتشاف قدراتها الذاتية، ممّا عزّزت من وجودها، وحظيَت باعتراف افتراضي.  

اليوم تَعْتَبر نفسها نجمة مواقع التواصل الأبرز، لكثرة ما تنشر مقاطع فيديوهات قصيرة مثيرة للجدل على كافة التطبيقات الشّبابيّة الشّهيرة، لديها عشرات آلاف المتابعين الذين يهتفون لها، دائمًا يشجّعونها على الاستمرار بتزويدهم بمثل هذه المحتويات الغريبة، وغدت بنظرهم صانعة محتوى، مما زادها "إصرارًا" على متابعة مسيرتها المهنيّة الجديدة!! 

تريد أن تثبت أن حياتها العادية اليوميَّة وحياتها المنفتحة على عالم الأون لاين الذي تعيش فيه لا تختلِف بتاتًا، ولا ترغب بتقمّص شخصيّتَين، فهذا يجعلها غير صادقة!، لذلك لا يعنيها كل ما يشاع عنها من أقاويل. لقد غدت مقاطع الفيديوهات، وكتاباتها المتجنّية على المجتمع وعاداته، حديث الإعلام الاجتماعي المزعوم الذي بات سوقًا إخباريًّا ساقطًا في كثير من الأحيان. دائمًا تُروِّج لوراء كواليس حركاتها البهلوانيّة المصوّرة من خلال حسابها على تطبيق التيك توك وهو الساحة الخلفيّة للإعلام، فجعل لغة جسدها تثير لغطًا اجتماعيًّا. 

تحب الذهاب إلى أقصى مسافة بتعاملها مع الكاميرا التي عشِقَت وجودها اليومي أمامها، كل وضعيّة تأخذها هذه السيدة بهدف كْسِر المحرّمات. الشّيطنة الفكرية تسبق عقلها في كل خطوة تقوم بها في هذا العالم المخيف المسيطر على البشرية الخاضعة كلِّيًّا لإملاءاته العصرية، كخضوعها لتحديثاته التقنية السريعة. أصبحت إعصارًا مدمرًا للقِيم الأخلاقية، إنّها تغذّي رغباتها من إمدادات التعليقات المفبركة على مَقاطعها القصيرة المصوّرة، وبالأخص عندما تتحدّث بكلام فاضح عن خصوصيّاتها، محَطَّمَةً سقف المعقول!! 

تشنّ هذه الحرب عبر المنابر الافتراضيّة ضد كل من يصُدّها عبر النت لتتلذّذ بها، تعتبرها عراكًا علنيًّا مفتوحًا بينها وبين المتحفّظين!، فعندما تفضح أسرارها عمدًا، يزداد عدد المنضمين إلى نادي المعجبين، الذين يبحثون عن بريق نجوميّتها من خلال أي سبقٍ شخصي لها، ليهدروا طاقة حب استطلاعهم. تتعمّد فعل كل هذه الأمور لتثير صخبًا إعلاميًّا، كي تتخلّص من أنين وحدتها التي تبكي على حالها.  

كل شيءٍ تنشره يتحوّل خلال ثوانٍ إلى وقود دعائي عبر شبكات التواصل، كي يشعل نيران ردود الفعل، فتنتشر سريعًا حرائق التوبيخ واللوم، من قِبَل شخصيّات عامّة واعتباريّة، لكنها لم ترتدع من كلامهم أبدًا، بل اعتبرته إعلاءً من شأنها، لأول مرة ينتابها شعورًا داخليًّا بالفرح، أنها "انتصرت معنويًّا" على معارضيها... صارت تدّعي أنها فازت أخيرًا بشهادة انتباههم!!