الإلكترون يدق مسمارًا جديدًا في نعش الورق 9/4/2010 11:07
بعد تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على قطاع الإعلام والتي أدت إلى إقفال عدد كبير من الصحف العالمية أو تحولها إلى إلكترون، نجح الإعلام العربي المطبوع في تجاوز العاصفة مع شروعه بمواكبة التكنولوجيا الرقمية بشكل ملحوظ. ويظهر ذلك جليًا من أرقام الإنفاق الإعلاني في العالم العربي.
ورقيَّات عالميَّة... في مهب الريح
فكل هذه الإفرازات دفعت عددًا من كبريات الصحف العالمية عمومًا والأميركية خصوصًا إلى أن تودّع طبعاتها الورقية لتكتفي بمواقعها الإلكترونية. وتتسع يوميًّا دائرة الصحف الأميركية التي تودع الورق للأبد، فانضمت الصحيفة البارزة "روكي ماونتن نيوز كولورادو" إلى قافلة الصحف التي أغلقت أبوابها، وذلك قبل أسابيع قليلة من احتفالها بعامها الـ150 في 28 شباط (فبراير) 2009.
حتى "نيويورك تايمز"، إحدى أبرز الصحف الأميركية، تواجه مشكلة مالية، فهي ترزح تحت ديون بقيمة مليار دولار أميركي، ولا تملك منها كسيولة إلا 60 مليون دولار، وقد سجلت أسهمها تراجعا بنسبة 55% خلال العام الماضي. عربيًا، تاثرت وسائل الإعلام المطبوعة إنما بشكل محدود جدًا، ففي الكويت توقفت صحيفة "أصوات" عن الصدور في شباط (فبراير) 2009 بعد أشهر من إصدارها في تشرين الأول (أكتوبر) 2008. واحتجبت "البديل" المصرية في تموز (يوليو) 2009 بعد إطلاقها في 2006، وأغلقت مجموعة (ماروك سوار) المغربية مطبوعتي "الصباحية" و"الصدى المسائية" العام 2009 وتوقفت صحيفة "ديلي ستار" اللبنانية، وهي الوحيدة الصادرة بالإنجليزية بعد صعوبات مالية كبيرة منذ كانون الثاني (يناير) 2009، ليعاد فتحها محاطة بمستقبل غامض. وتم طرح أشكال جديدة من المطبوعات في السوق بالطريقة نفسها التي حصلت في الأسواق العالمية، فانتقلت صحيفة "المجلة" الأسبوعية السعودية للنشر عبر الإنترنت فقط، وذلك في نيسان (أبريل) 2009 ولجأت الرياضية الإماراتية "سوبر" إلى حل مشابه مقتصرة على نسخة إلكترونية منذ 2009. واندمجت في الإمارات العربية "المجموعة الإعلامية العربية" بما فيها من ثلاث صحف وإذاعة وتلفزيون نور دبي وشركة سمار للطباعة والنشر في "مؤسسة دبي للإعلام" في خريف 2009 في محاولة لتحسين هيكلية القطاع الإعلامي بدبي.
عوامل أخرى
جرائد مطبوعة في عين العاصفة في المقابل، تستمرّ التكنولوجيا الجديدة في اقتحام المضمار الإعلامي والتطورات في مجال الإعلام الرقمي. وشهد هذا العالم ظهور الإنترنت ذات النطاق العريض وتلفزيون الهاتف المتحرك وأجهزة "كنديل" و"نوك"و آي باد وتابلويد إل جي وغيرها، والتي استفاد منها العالم الغربي بشكل ملحوظ تمثل فرص نمو مهمة للشركات الإعلامية في العالم العربي. وتكمن الفرصة الأكثر تميزًا في إيصال المحتوى عبر الأجهزة النقالة المرتبطة بالإنترنت إلى الجيل الجديد من المستهلكين الذين نشؤوا مع الإنترنت، والذين يعتبرون الهواتف النقالة جزءًا أساسيًا من حياتهم. ويكتسب هذا الجيل من المستهلكين، ممن تتراوح أعمارهم بين 15-25، أهمية خاصة بسبب ارتفاع نسبة الشباب في معظم أنحاء المنطقة.
الإعلام العربي... إفتقار للتكنولوجيا وفي حال تمت معالجة القضايا المرتبطة بالوصول إلى خدمات الإنترنت عريض النطاق وعمليات قياس رأي الجمهور بشكل ملائم، فإن القطاع الإعلامي العربي سيتمكن من الحصول على قيمة كبيرة خلال السنوات الخمس المقبلة. إلا أن ذلك يتطلب تعاونًا وثيقًا والتزامًا قويًا من قبل كافة المشاركين في توفير المحتوى وسلسلة التوزيع بما في ذلك المؤسسات الإعلامية، والشركات المالكة والموزعة للمحتوى، ومشغلي الإنترنت عريض النطاق، والمعلنين، ومزودي خدمات التكنولوجيا، والمستثمرين، وصناع القرار الحكوميين، والهيئات التنظيمية. في حين أثر تباطؤ الاقتصاد العالمي على عائدات الإعلانات، إلا أن تقرير نظرة على الإعلام العربي 2008 – 2012 في نسخته الثانية يتوقع أن يرتفع إجمالي عائدات الإعلانات عبر الدول التي شملها التقرير بمعدلات نمو سنوي مركب تتراوح بين 5 - 25 في المئة بالقيمة الاسمية خلال الفترة من 2008 - 2012. ومن المتوقع أن تشهد كافة جوانب القطاع معدلات نمو كبيرة خلال فترة قصيرة، وخصوصًا الإعلان الإلكتروني في المنطقة سيشهد معدلات نمو كبيرة مرتفعًا من مستواه الحالي المنخفض، وخاصة في الدول التي فتحت أسواقها أمام شركات الاتصالات. ويعد مجال عمل شركات الإعلانات الإلكترونية وتوفير المحتوى الإلكتروني لأجهزة الهاتف المتحركة من أكثر الفرص المتميزة في المنطقة. ويرجح أن الإنترنت ذات النطاق العريض وتلفزيون الهاتف المتحرك من أكثر الوسائل المفضلة للحصول على الأخبار والمحتوى الترفيهي في المستقبل للجيل الجديد من المستهلكين في معظم أنحاء العالم العربي. وحدد التقرير عاملين رئيسين للحصول على الفوائد التي تمثلها هذه الفرصة، يتجسد العامل الأول في الاستثمار في الخدمات عريضة النطاق بأسعار معقولة، والخدمات المتعلقة بالربط بشبكة الإنترنت العالمية والتي لا تتوفر حاليًا في معظم أنحاء المنطقة. أما العامل الثاني فيكمن في تطوير آليات قياس أعداد الجمهور. وأشار التقرير إلى أن عدم وجود بيانات دقيقة حول أعداد الجمهور في الوقت الحالي يقلل من ثقة المعلن حول فعّالية العمل الإعلاني، وبالتالي تخفيض رغبتهم في الإنفاق على الإعلانات.
الإنفاق الإعلاني وتوقّع المسح أن يرتفع الانفاق على الاعلانات بمعدل نمو سنوي مركّب يبلغ 5,7 في المئة خلال فترة 2009 – 2013 ليبلغ 280 مليونًا سنة 2013 أو 4,4 في المئة من عائدات الاعلانات في الدول العربية خلال تلك السنة، مقارنة بنمو عائدات الاعلانات بنسبة 8,4 في المئة في الاقتصادات العربية في الفترة عينها. وتوقع أن تنمو إعلانات الصحف بنسبة 2,9 في المئة بين 2009 و 2013 وأن تبلغ 41 مليون دولار سنة 2013، مقارنة بنمو بنسبة 49 في المئة في العالمي العربي في الفترة نفسها. فيما توقعت الدراسة أن تقفز إعلانات الانترنت في لبنان بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 47 في المئة خلال فترة خمس سنوات وأن تبلغ 14 مليون دولار سنة 2013، أي بنسبة أعلى بكثير من نسبة النمو الـ4,2 في المئة المتوقعة في الدول العربية بسبب الانخفاض في مستوى النمو. وذلك يظهر في ما توقعه الإصدار الأول من تقرير "نظرة على الإعلام العربي"، الذي أصدره نادي دبي للصحافة على هامش منتدى الإعلام العربي في دبي العام 2007، من محافظة الصحف السعودية دون غيرها من الوسائل الإعلامية على موقعها المهمين على سوق الإعلانات التي يتوقع أن يصل حجمها إلى 721 مليونًا العام 2010 و776 مليون دولار العام 2011 حيث سيصل معدل النمو السنوي المركب إلى 9 في المئة. في حين من المتوقع أن يبدأ قطاع الإعلانات عبر الإنترنت في النمو انطلاقا من قاعدة صغيرة جدًا، وذلك مع تصاعد الاستثمارات في البنية التحتية لخدمات الانترنت عريضة النطاق، حيث أعلنت المملكة عن نيتها زيادة معدلات انتشار خدمات الإنترنت عريضة النطاق إلى ما لا يقل عن عشرة أمثال مستواها الحالي الذي لا يقل عن 2 في المئة بحيث تصل إلى 15 في المئة خلال فترة التوقع. فيما كشف الاتحاد الكويتي للإعلان أن الكويت تخرج اليوم بمفارقة في ما يتعلق بالإنفاق في المجال الإعلاني إذ حافظت على المركز الأول عربيًا، وهي الدولة التي لم تنج من تداعيات الأزمة المالية، محافظة بذلك على صورتها كنموذج تنموي قادر على الإنفاق في ظل الصعاب، فإن الكويت على أبواب التنمية تخرج من العام 2009 بنتائج وردية محرزة أعلى الزيادات في الإنفاق الإعلاني بلغت 898 مليون دولار، بارتفاع بلغ 18 % عن العام 2008 حيث وصل معدلها الانفاقي إلى 764 مليون دولار، وذلك من أصل إجمالي الإنفاق الإعلاني في الوطن العربي البالغ 4.9 مليارات دولار بزيادة 34 % عن 2008 عندما حقق 3.7 مليارات دولار. وعلى الرغم من بقاء الإمارات في صورة الأكثر إنفاقًا إلا أنها أحرزت تراجعًا بنسبة 27% عن 2008 عندما حققت ملياري دولار كمعدل إنفاق، في حين بلغ إنفاقها الإعلاني 1.4مليار دولار العام 2009، ونفسه في السعودية بتراجع 6% عن العام 2008 محققة 1.030 مليار دولار في العام 2009 مع احتفاظ كل منهما بمركزه الأول والثالث على التوالي.
وتوقع الاتحاد أن يخترق الإنفاق الإعلاني في الكويت لعام 2010 حاجز المليار دولار، بعد أن كسر حاجز الـ 800 مليون دولار في 2008، مشيرا إلى أن الأزمة المالية جعلت العديد من شركات الإعلان تقوم بعروض قوية سواء بتخفيض الأسعار أو القيام بعروض مغرية لتنشيط حركة المبيعات في السوق. خاصة أن الشركات تعتبر الإنفاق على الإعلان أساس التسويق، وتتخذه وسيلة أساسية لحمايتها من أي صدمات مالية. بعد أن كان للجرائد حصة الأسد من الكعكة الإعلانية، جاء التلفزيون منافسًا قويًا ليأخذ حصة من الإنفاق الإعلاني في الجرائد والبالغة 54 % من أصل قيمة مجمل الإنفاق والبالغ 483 مليون دولار خلال العام 2009، وفق إحصائيات «بارك» والاتحاد الكويتي للإعلان بعد أن كانت حصته 57% العام 2008.
معلومة مقابل بدل خصوصًا أن المستخدمين حتى الآن لم يُبدوا استعدادًا للدفع مقابل المحتوى الذي يكون في متناولهم على الانترنت وتأمل الصحف والمجلات في ان ينجحوا في احداث هذه الثورة وإلا فما عليهم إلا الابقاء على مجانية المواقع والاكتفاء بالربح المتأتي من الإعلانات.
وفي حين ان هذا ليس مؤكدًا بأي حال، فإن الفكرة ليست خيالية تمامًا على ان تتمكن صناعة الاعلام من تقديم شيء جديد. وبالتالي لا يهدد جهاز أبل ولا أي تقنية قطاعًا حيويًا وحاسمًا مثل الصحافة المطبوعة وسيكون مكملاً له خصوصًا إذا واكبت الصحافة المكتوبة التطورات لتبقى بصيغة ناجحة |