[x] اغلاق
تحت ظلال خدماته الوارفة بالإنسانيَّة
13/2/2024 8:58

تحت ظلال خدماته الوارفة بالإنسانيَّة

لذكرى رحيل العم يوسف مباريكي (أبو شكري)

 

بقلم: مارون سامي عزّام

 

تدور بنا السِّنين في دولاب الحياة ليتوقّف عند محطّة الشيخوخة، فتصبح ذاكرتنا مرجعًا لذكرياتنا، واللحظات الجميلة تغدو شموع حنين تتوهّج شوقًا لمعانقتها، إلى أن يُغطّي القدر عمرنا بغطاء الآخرة، فغطّى حياة العم يوسف مباريكي (أبو شُكري) بغطائه بهدوء ملائكي، دون أن يتأفف أو يُحسِّس أحدًا من أفراد عائلته بأن الفراق بات حليفه في هذه الليلة.

أبو شُكري سيبقى رجل العائلة الذي تحمَّل كاهل رحيل زوجته، مربِّية الأجيال غادة (أم شكري)، فرحل الحنين عن المنزل، ولكن رُكن الوفاء لها ما زال محفوظًا في ذاكرة الأسرة، أمّا بالنسبة للراحل أبي شكري فقد رحلت رفيقة رحلته الطويلة في الحياة التي عاشت معه تحت عريشة العيش الهانئ، ومع ذلك تقبَّل المرحوم مشيئة الخالق، واستمرّ بتسيير أموره الخاصَّة، بالتعاون مع أبنائه الذين اجتمعوا حول رعاية شيخوخته، حافظين له تضحياته الجسام، مقدِّمين له هدايا الإخلاص، العطف والحب. استرسل أبو شكري بمتابعة مسيرته المليئة التي كرَّسها للواجبات الاجتماعية والرسميّة المختلفة، كان عطاءه الدّائم من أجل رِفعَة الإنسان في المجتمع.

أمضى المرحوم حياته المهنيَّة في مصافي البترول في حيفا، برفقة والدي المرحوم سامي عزّام، صديق عمره، فحظي العم يوسف باحترام وتقدير الإدارة لالتزامه الشَّديد بعمله، لم يتدخَّل بأمور لا تعنيه، كان له عالمه الخاص القائم على السّلام الدّاخليّ، بشهادة أحد زملائه اليهود الذين ذكَروه بكل خير لأمانته، ولتعامله الودود، استمرَّت علاقته مع والدتي أطال الله بعمرها بعد وفاة والدي، فكان يُحضِر لها هدايا الأعياد العبريَّة الموسميّة من مصافي البترول، بمبادرة شخصيَّة منه، دليل حبه للمساعدة. 

أخلص المرحوم لخدمة أهله، قدَّم خدماته التّطوُّعيَّة للكشّاف المسيحي ولفئات عديدة من المجتمع الشفاعمري، التي احتاجت لرعاية مجتمعيَّة وليس فقط مؤسّساتيَّة، فدعم نشاطات هذه الفئات المهمَّشَة، من خلال علاقاته الطيِّبة مع المسئولين. انصهر واجبه الخدماتي أيضًا مع ذوي الاحتياجات الخاصّة، كما حرص العم أبو شكري من خلال تبوئه المناصب الإنسانيّة على رعاية المكفوفين أيضًا ضمن حدود صلاحيّاته، واعتبرهم جزءًا من عائلته الموسَّعة، فَسَعِدَ بهم كثيرًا ولازم جميع نشاطاتهم. 

اندمج الرّاحل افتراضيًّا في الفيسبوك، اطَّلَعَ على النّشاطات العديدة الأخرى، رغم كِبَر سنّه، ممّا تسنّى للأجيال الجديدة أن تتعرَّف على حياته العامة التي تميَّزت بتوطيد علاقاته المتشعبة محليًّا وقطريًّا وعربيًّا، فشكَّل المرحوم حالة استثنائيّة، تستحق الوقوف عندها، لاهتمامه بتقنيّات العصر الاجتماعيّة، هذا عكس روحه الشّبابيَّة. 

تابع تطوُّر تحديث العلاقات بين النّاس من خلال صفحته على الفيسبوك المتاحَة للجميع، كما كانت حياة الراحل متاحة للتواصل الفعلي، فصار منزله ديوانًا للمحبّين ولشخصيات اعتباريّة زارته للاطمئنان عليه، رافق جلساتهم موكب ذاكرته التّاريخيّ الذي اعتاد أبو شكري على صيانته دائمًا، طوال سرده لأحداث تاريخيّة عاشتها شفاعمرو، أثَّرت على مجرى التّاريخ، كما تركَ الرّاحل أثر ذِكره الطيِّب على درب الحياة الأبديَّة المفروش بورود الذّكرى. 

May be an image of 1 person and dinner jacket