لذِكرى رحيل قُدس الأب الأرشمندريت ماهر عبّود نال نعمة الرّاحَة الأبديَّة 21/2/2024 9:39
لذِكرى رحيل قُدس الأب الأرشمندريت ماهر عبّود نال نعمة الرّاحَة الأبديَّة بقلم: مارون سامي عزّام الحياة الأرضيَّة قاسية جدًّا... تعاملنا كطّاغيةٍ... تتحكَّم بمصيرنا... تفرض علينا هُمومها البشريَّة، لا ترحم أحدًا يريد أن يعيش مرتاحًا، أحيانًا يضطر الإنسان أن يصارع المرض من أجل البقاء، كذلك قُدسُ الأب الأرشمندريت ماهر عبّود ابن الحارة الغربيَّة التي أحَبَّها، صارع المرض بقوَّة الإنجيل الذي ضمَّه إلى صدره بحنُوٍّ شديد، إلى أن أدركَ أن ساعة الأجَل آتيةٌ، فأسلَم الرّوح، متمثِّلًا بالسَّيِّد يسوع المسيح له المجد، عندما قال وهو معلَّقٌ على الصَّليب: " في يديكَ أستودعُ رُوحي". عرفت الكاهن ماهر منذ ثلاثين عامًا وأكثر، جارًا عزيزًا، وابنًا لعائلة عريقة، نشأ في بيت مسيحيّ بسيط، استطاع كسب محبَّة واحترام الآخرين، تربَّع على عرش الوفاء لمسقط رأسه، تواضعه منحه تقديرًا مجتمعيًّا عاليًا... حمل مسبحة دعواته، داعيًا النّاس للتقرُّب من الله. نال من جميع رعاياه في كافّة الكنائس تكريمًا كبيرًا على صنيعه الإنسانيّ. جعل الكنيسة للتخاطر مع الله، فترأس فيها قداديس أيّام الآحاد، وزيَّن أرجاءها بصدى تراتيل مواسم الأعياد المجيدة، فكم كان خاشعًا بصلواته أمام الهيكل. وجهه البشوش كان علامة مميّزة في تعامله مع أفراد عائلته وبالأخص مع إخوته وأخواته، لطفه مع جيرانه في الحي لن يَنسوه أبدًا، وما زالوا يتحسَّرون على فقدان قدس الأب ماهر عبّود الذي عاش تحت رعاية المطارنة السّابقين الأجلّاء، واضَعًا على كتفَيه رداء التَّقوى، مطبِّقًا وصايا الرَّب على نفسه أوّلًا قبل أن يطبِّقها على المؤمنين، متَمَسِّكًا بقيَمها العالية طوال سيرته الكهنوتيَّة المباركة، عارفًا أن الحياة الحقيقيَّة المُثلى تنتظره في رحاب ملكوت السّماء، فطُوبى لأمثاله. يقول الكتاب المقدَّس: "الإنسان أيّامه كالعُشب، وإنّما يُزْهِرُ كزهرة الحقل" (المزمور الثّاني بعد المئة) بمعنى أن أيّامه فانية، ستنثرها رياح الزّمن، ولكن أعماله تبقى مُثمرةً، كما كانت أعمال الأب ماهر مُزهِرةً بالمجد. أحبَّ رعيَّته في المغار، فبخَّرها ببخور إنسانيَّته، وغدت إنجازاته العمرانيَّة سنابل المستقبل الملأة بالعطاء، لتنحني اليوم للأب ماهر شاكرةً له تضحياته. تركَ إرثه الأرضيّ بصمة محفورة في جدران التربيّة المسيحيَّة، القائمة على التّسامُح وتقديم المساعدات للمحتاجين والضُّعَفاء. ساند الكاهن ماهر قضيَّة إقرت وبرعم، كان مدافعًا عن حقوق الأهالي المهَجَّرين، دعا جميع المسيحيين وحتّى المغتربين منهم بالعودة إلى أوطانهم، حفاظًا على الوجود المسيحي الآخذ بالتآكل السكّاني، ليصمُد أمام سياسات الترحيل الجديدة... لم يعمل الأب ماهر يومًا من أجل رِفعته الذّاتيَّة، بل نادى من أجل وحدة المسيحيين... نبذ التمييز العِرقي... عانق الطّوائف المسيحيَّة الأخرى، واعتبرها عُضوًا مُكَمِّلًا لجسد الدِّيانة المسيحيَّة، احترم الأديان الأخرى، طرد باعة العنصريَّة من معبد حياته. بعد رحلته الطّويلة في ملكوت البَذل غير المحدود، أجَّجَ المرض صحَّته فساءت، لكنه لم يُبدِ معاناةً أبدًا، لم يُعلن استسلامه، بالعكس ازداد قوَّةً، علَّق معنوياته على خشبة صبره، ورفعها على جبل الصُّمود... سار راضيًا على درب الآلام الطّويل، محوِّلًا الوجع إلى هبة ربّانيَّة، متقبِّلًا مشيئة الخالق بإيمان وثبات، والتّعزية في هذا المقام الحزين، أن الكاهن ماهر رحل إلى ربِّه عشيَّة بداية الصَّوم الأربعيني، كي يتناول قربان الخلاص من يد معلِّمه يسوع المسيح، لينال نعمة الرّاحة الأبديَّة...
|