ستَسْتَمِر عمليَّة ترقيع الخدمات!! 28/2/2024 16:46
ستَسْتَمِر عمليَّة ترقيع الخدمات!! بقلم: مارون سامي عزّام هناك أغنية شهيرة للمطرب السّوري موفَّق بهجت يقول مطلعها: "بابور رايح بابور جاي، بابور محمِّل سُكّر وشاي"، وعذرًا من صاحبها لأقول "رئيس رايح، رئيس جاي، رئيس حامل وُعود وجاي"، هذا هو ملخَّص انتخابات السلطات المحليَّة في البلدات العربيَّة تحديدًا، لأن كل مرشَّح أراد تقديم "أرقى" خدمة استحقّها المواطن... أراد تغيير الحال المذري للبلد، يعني أنهكنا بحنجرة صيحاته الانتخابيَّة المألوفة لنا!! إنّ كل شخصيَّة عامّة اعتبرت نفسها المنقذة البلدية القادمة التي كانت ستُخرجنا من جُحر الخيبات، مع العِلم أن ولا مرشَّح أضاف أي شيء جديدٍ، سوى إتقانه لفن التلاعب بالكلمات وتطوير تقنيَّة دعاياته التي تُرقِّع برامجهم السّابقة. تأجيل الانتخابات للمرَّة الثالثة بسبب الحرب الهوجاء على غزّة، والإعداد الجاد لسيناريو الحرب المثير للمشاهدة في الشّمال، وضع كل المرشّحين في حالة ترقُّب... دبَّ الخوف في الناخبين، واعتبروا هذه الجولة عبارة عن مطبّات دعائيَّة، أوقعتهم في "سِحر المرشّحين" عفويًّا دون وعي، لانشغالهم بالوضع الأمني المتصاعد الذي أثَّر على حالتهم النفسيَّة. رقَّعَت الانتخابات أهداف مرشّحي قوائم العضويَّة بملصقات التّحالفات الرِّئاسيَّة لضمان مصالحهم... حاولوا ترميم وضعهم المرقَّع في الشّارع لعدم استطاعتهم القيام بأي خطوَة ترويجيَّة لوعودهم الزائلة، بعد أن تعطَّلت آليّات مهاراتهم الخطابيَّة أمام مؤيِّديهم!، لم يقدروا على جذب عدد كبير منهم، بسبب البرد الشَّديد الذي كان شريكًا "فعّالًا" معهم، ممّا حدّ كثيرًا من التحرّكات الميدانيَّة للمرشَّحين، إلّا أنهم استعانوا بالتقنيّات العصريَّة، وسوَّقوا أنفسهم من خلال الواتس أب. افتتح المرشَّحون حملاتهم الدّعائيَّة... تسابقوا حتّى اللحظات الأخيرة عبر مقارهم الفعليَّة والافتراضيّة على منصّة الفيسبوك من أجل إثارة الفكر الانتخابي النّائم للمواطن، بعرض مقاطع مصوَّرة عن أحلامهم بصورة جذّابة بصريًّا!!، لكنّها كانت رقعة استجداء دعائية حديثة ومفتَّقة، "جرَّبها" المواطن في الانتخابات السّابقة... لم أرَ أي مرشّح للرّئاسة أو للعضويَّة كان صرعة منصّة الفيسبوك، لأن الناخبين "عِرفوا طبِّتهن"، لأن هذه الدعايات كانت رِقاعًا مؤقَّتة لخرقات تفاعلهم الوهميَّة!! الاستراحة الانتخابيَّة التي عاشها مرشّحو الرّئاسة بالذّات، أهَّلتهم أن يكونوا نجوم مؤيّديهم من خلال صورهم المعلَّقة في الشّوارع منذ عدّة أشهُر، كذلك على الإنترنت... أمّا مرشّحو قوائم العضويَّة، فغدوا أبطال الأعمال البيئة الشّاميّة... عفوًا أبطال البيئة الانتخابيَّة المعقَّمة من أي تفاعل دراميّ حقيقي مع هموم المواطن، فقط كانوا يذرون رمال وعودهم في عيونه!! الحالة العصبيَّة الدَّائمة التي تعيشها النّاس هذه الأيّام، أثَّرت على صراع بقاء مرشّحي الرّئاسة في حلبة احتماليَّة فوزهم بالجلوس على الكرسيّ، نتيجة تفاقم لامبالاة المواطنين بسير دولاب الأخبار الانتخابية، لأنّهم اكتسبوا وعيًا اجتماعيًّا مع مرور الوقت، جعلتهم يفهمون أن هذه الملهاة الانتخابيَّة لن تكون يومًا لصالحهم، كما يدّعون المرشّحين الأشاوس!!... الاعتقاد العام الذي ساد في المجتمع العربي أن أي رئيس قادم سواء كان سابقًا أو جديدًا، لن يجلب أبدًا تجديدًا أو تغييرًا، وذلك نتيجة ارتباطاته التحالفيَّة مع بعض رؤساء القوائم الذين قد يتمرَّدون على أي مشروع يطرحه، يتعارض مع الوعود المرقَّعة التي قدَّمها لهم الرّئيس الجديد أو المتجدِّد، وبالتالي ستتمزَّق، فيفرُط رداء الائتلاف الرَّث خلال ثوانٍ. تأجيل الانتخابات لفصل الشِّتاء لم يكُن في صالح رؤساء السُّلطات المحليَّة، بل على العكس فإنها خرَّبت "الإصلاحات" التي قدَّمتها إداراتهم، بفعِل الأحوال الجويَّة العاصفة التي نزعت عن الشّوارع رقاع الزِّفتة غير النِّظاميَّة، قد جعلت حُفَر تقاعسهم تبرز، تشعُر أنَّك تقود السيّارة في منطقة وعريَّة وليس على الإسفلت، فإنّ هذا يؤكِّد أن مدننا لن تذوق طعم العصرنة الحضاريَّة التي نتمنّاها، بل ستبقى عجلة تطويرها متعطِّلة، موحلة في العصور الوسطى، "بفضل" الترقيع الفاسد!! هذه الانتخابات كسابقاتها لم تولِ الشّبان المصوِّتون الجُدُد جدِّيَّة... لم يعتبرهم المرشَّحون شريحة متحمِّسَة قادرة على صنع التغيير، بل كانوا آليات دعم لحملاتهم الانتخابيَّة لا أكثر ولا أقل، رأوا في الشّبان رقعة أمل واقية لمنع هروب الأصوات العائمة على سطح الحيرة إلى مرشَّح رئاسيٍّ غير مجرِّب، نجح أن يجذبهم بمؤثِّرات دعاياته المنتشرة على المنصَّات الشَّبابيَّة!! هناك قسم كبير من الشبّان كانوا يُحضِرون المصوِّتين من منازلهم إلى صناديق الاقتراع بسيارات خاصة، هذه المَهَمَّة عكست نيَّتهم على تحفيز الناس لإخراجهم من حالة لامبالاتهم بالحدث، ولم تكُن بالضَّرورة هبَّة اجتماعيَّة لصُنع التغيير. كان هناك بصمة خطأ لم ينتبه لها مرشّحو العضويَّة، بأنّهم تغاضوا عن طموحات الشبان في دعاياتهم، أقصد أنهم لم يلامسوا حداثة تفكيرهم، بل جنَّدوا عزيمتهم مؤقَّتًا كرقعة نشاط متينة ريثما أُغلِقَت الصّناديق، وخلال بضع لحظات سلخها المرشّحون عن عاتقهم!! مواسم الانتخابات ليست إلّا ترقيعًا حكوميًّا رسميًّا لعورة تمييزها في تعاملها مع نظام الحكم المحلّي المتأزِّم والمُهمَل، أمّا بالنسبة للمدن والبلدات العربيَّة فإنّها شبكة "جهود مؤسّساتيَّة"! لأننا ما زلنا نشهد أن بنيتها التَّحتيَّة متخلِّفة، خدماتها شِبِه عاجزة، والأريحيَّة التي سادت بين المواطن والمرشّحين زالت فورًا مع انتهاء الاقتراع، وعاد الناخبون إلى قواعد حياتهم العاديَّة، وكأنّ التصويت لم يكُن!! كانت الانتخابات مجرَّد رقعة ضخمة كَسَت شوارع الفشل السَّريعة التي عبَّدها المرشَّحون على مرِّ "خبراتهم"، ابتُليَ بها النّاخب... عفوًا النّادب على حظِّه، لعدم نيله أبسط الخدمات التي يستحقّها. اليوم نحن نفتقد إلى قياديين حقيقيين لبلداتنا، لأن الموجودين اليوم في السّاحة السّياسيَّة المحليَّة رياديين مجتمعيين محدودي التأثير، سعوا من أجل الوصول إلى مقدِّمة قيادة حافلة البلدية إلى مكان أفضل لهم، بهدف الاستمرار في ترقيع طموح المواطنين، ليعانوا مجدَّدًا من خمس سنوات عجاف قادمة!!...
|