كلمة الأستاذ فتحي فوراني في الأمسيّة التّكريميّة للشّاعر وهيب نديم وهبة، والكاتب الإعلاميّ نايف خوري. 1/3/2024 16:34
كلمة الأستاذ فتحي فوراني في الأمسيّة التّكريميّة للشّاعر وهيب نديم وهبة، والكاتب الإعلاميّ نايف خوري
وهيب نديم وهبة- نايف فايز خوري سيأتي الضياء. أرى تحت الرماد ميلاد نور فتحي فوراني الأخوات والإخوة أسعدتم مساء وبهاء وضياء سيأتي حتمًا.. حتمًا سيأتي الضياء.
هذه الفاتحة تصلح لأن تكون خاتمة مسكًا أختم بها كلمتي في هذا المساء الثقافي. ففي هذا الزمن العبثي لا بدّ من المشاكسة تماشيًا مع ميزان العدالة المائل.. وانسجامًا مع إيقاع السمفونية العبثية المشاكسة التي تلقي بظلالها على المشهد. وبعد لن أقوم بعملية الحفر في أرض التاريخ لكي أمسك بطرف الخيط وألقي الضوء على بدايات “أدب الرسائل”، ولن أعود إلى أبي العلاء المعري و”رسالته” والجاحظ وسرديته ولن أقابل باقي فرسان الرسائل الذين أرسوا قواعد هذا الضرب من الفنون النثرية. سأستقل بساط الريح وأحط رحالي في ميادين اللحظة المعاصرة. سألقي لمحة خاطفة تطلّ على عناوين مختلفة من “أدب الرسائل” التي تتزيّا بالزيّ الحديث، وسألتقي بكوكبة من الفرسان الذين يرتدي معظمهم الزيّ الفلسطيني.
ألتقي بداية بجبران خليل جبران وميّ زيادة يحملان “الشعلة الزرقاء” ويشقّان الطريق نحو عالم الرسائل. وفي المحطة التالية يستوقفنا مصطفى صادق الرافعي الذي يحمل “باقة من الورد” الجوري القادم من حدائق الياسمين. خطوة صغيرة.. فنلتقي أمامنا خيمة الأدب الفلسطيني.. تشدّنا بألوانها الأربعة.. نتوقف عندها فنلتقي غسان كنفاني العاشق الفلسطيني الرائع يناجي معشوقته المبدعة غادة السمّان. من هناك نشدّ الرحال إلى شمال الوطن.. فنعرّج على قرية البروة وصديقتها رامة الجليل، هناك نلتقي محمود درويش وسميح القاسم يجلسان معًا تحت زيتونة راموية ويتشاطران البرتقالة اليافوية الذهبية ويجريان حوارًا ممتعًا بين “شطري البرتقالة”. وإلى جانب هذا التوأم يقف محمود شقير المقدسي وحزامة حبايب تحت عريشة واحدة حالمين بـ”أكثر من حب”، ثم نصل إلى الثنائي الجميل جميل السّلحوت وصباح بشير وهما يتبادلان الرسائل القادمة من “زهرة المدائن وإليها”، فنقرأ ونستمتع ونعيدها مثنى وثلاث. وفي المحطة ما قبل الأخيرة.. وقبل نهاية المسيرة.. نلتقي المبدعَين وهيب نديم وهبة والفراشة المشاغبة آمال رضوان عواد وهما يداعبان “نوارس الدهشة”.
أما في هذا المساء فنلتقي الثنائي وهيب ونايف.. يحملان منجزًا جديدًا له مذاق خاص خارج لتوّه من طابون “أدب الرسائل”. هذه برقيات ذهبية صغيرة هي جزء من حكاية طويلة يعزّ عليها أن تنتهي.. ففي انتظارنا مواعيد مشتهاة.. وسيكون “نادي حيفا الثقافي” شاهدًا حاضنًا ومشرفًا على هذه المواعيد الخضراء.
الإخوة والأخوات نحن أمام َعملٍ متفرّد له نكهةٌ مميزةٌ تنضوي تحت لواء “أدب الرسائل”. فتحْتَ سماءٍ واحدةٍ يتلاقى المبدعان الأديبُ والشاعر فيُبدعان دنيا حافلةً بمواضيعَ شتّى يسودُها التآخي والمحبة والحميمية وعبادةُ الإلهِ الواحدِ تحت سماء زرقاء واحدة. وفي هذا العملِ نلتقي أماكنَ وعناوينَ تشكّل خارطةَ الوطن وجذوَرها التي تَضربُ عميقًا في رحم التاريخ والحضارة.. نلتقي حيفا وإقرث والقرية المهجرةَ أمّ الزينات وجبلَ الكرملِ والمسجد َالأقصى والكنيسةَ وديرَسانتا كترينا وغيرَها. كما نلتقي رموزًا دينيةً لاهوتيةً تشكلُ في مجموعها جزءًا من تراثنا الديني ِّ الإنساني. نلتقي السيدة مريمَ العذراءِ ويسوعَ الناصريَّ والقديسَ يوحنا السلمي والنبيَّ الخضر وغيرِها من الرموز. وفي الفضاء الثاني من كتاب “سيأتي الضوء” نلتقي نصوصًا من الحواراتِ اللاهوتيةِ الفلسفيةِ التي تغلبُ عليها أجواء الأناجيل المقدسة. في حوار بين المبدعَين وهيب ونايف “يلتقي الاثنان على مفرقَين من عقيدةٍ وعلى المبدأ الواحدِ: الله والوطن والإنسان. ويسيران معًا على درب الآلام “فيحملان الصليب ويسيران على طريق الجُلجلة إلى كنيسةِ القيامةِ.” وهذا المزيجُ من المضامين الملونةِ أنبت نثرًا أشبهَ بالشعر أو عملًا أدبيًّا ينتمي- في القسم الأول- إلى ما اصطُلح على تسميته بقصيدة النثر. وفي إطار الفن الأدبي فإن هذا العمل الوجداني الثقافي ينضاف إلى عمل أدبي سابق موسومٍ بالعنوان “رسائل- وهيب نديم وهبه وآمال عواد رضوان” الخارجِ من الورشةِ الإبداعيةِ لصاحبَيها وهيب وآمال. ويحفلُ هذا المزيجُ الإبداعي باللونَين (النثر والشعر) وحِوارياتٍ أدبيةٍ تتمرد على الرتابةِ التي تسيطرُ على بعض الأعمالِ الإبداعيةِ. ورَغم الغيومِ المارقةِ يؤْمن المبدعان وهيب ونايف أن الضوءَ سيأتي وأنه سيشقُّ طريقه طوفانًا يتدفّق ويخترقُ عتمةَ الليالي الحالكة ليصنعَ فجرًا جديدًا مشتهًى.
** أخيرًا.. لا بدّ من “أخيرًا” أخيرًا نختتم بما بدأنا.. تعالوا نتفاءل بالخير.. لعلّنا نعثر عليه في مسيرة العذاب التي ناءت بكلكلها علينا فأتعبتنا.. قالت العرب: تفاءلوا بالخير تجدوه.
ستأتي تباشير الضياء حتمًا وتشقّ طريقها عبر الغيوم السوداء.. فلا بدّ من طلوع فجر نشتاق له.. وهو طالع حتمًا.. ولا بدّ لليل أن ينجلي.. ولا بدّ للقيد أن ينكسر.. تفاءلوا بالخير.. ولا بدّ أن تجدوه فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل..
** تحياتي إلى الصديقين المبدعَين وهيب ونايف المثابرين في دفع مسيرة الإبداع وإثراءِ المشهدِ الثقافيِّ بكل ما هو ممتعٌ وجميلٌ وجديدٌ. تمنياتي لكما بالمزيد من العطاءِ الإبداعيّ في دنيا الأدبِ والشعر والثقافةِ.. وأبدًا على هذا الطريق نحو الأجمل والأروع. نادي حيفا الثقافي حيفا- 25-1-2024
|