لذكرى رحيل العمَّة نهى جبّور جبّور ...عاشت وفيَّـة لقدرهـا 5/3/2024 9:30
لذكرى رحيل العمَّة نهى جبّور جبّور ...عاشت وفيَّـة لقدرهـا بقلم: مارون سامي عزّام يسحب شُرطي العُمر رخصة العيش الآمن من الإنسان، فيأخذه حالًا إلى مأوى الشّيخوخة على أمل أن يرتاح من سباقه مع الأيّام، لكنّه يتعرَّض لوعكةٍ صحيَّة طارئة، فيعالجها من صندوق إرادته إلى أن يستسلم، شاهِقًا أنفاس آخرته، هكذا أسدل القدر ستار الموت على العمّة نهى جبّور جبّور، راحلةً عنّا بمنتهى الرّضى والقبول بمشية الإله. امرأة تحمَّلَت مشاق الزَّمن الذي لم ينصفها، بل نكَّل بظروفها بلا هوادة، لكنَّها تحدّته بعزمها، متغلِّبةً على عجزها بقوَّة معنويّاتها التي طَوَّعَتها لممارسة نشاطها المنزليّ بنفسها، دون أن تطلب المعونة من أفراد الأسرة، لأنها بالفعل عنوان حسن التَّصرُّف الذّاتي والتلقائي، لإيمانها بمقدرتها عل تجاوز المستحيل، أمر شهدتُ عليه منذ صغري. عاشت مع عائلة حضنتها برعايتها المستفيضة طوال سنيها، فضمّها والداها تحت جناحَي تربيتهما الصّالحة... عاشت في بيت مُحاطٍ بالكرامة، سيَّجه التّاريخ بالمجد منذ عهد والدها المرحوم جبّور جبّور، رئيس البلدية الثّاني لمدينة شفاعمرو، حينها رافقت العمَّة نهى الأحداث التّاريخيَّة المفصَلِيَّة، عاصرتْ شخصيّات وزعماء زاروا والدها في بيته. بَقِيَتْ نموذجًا للصَّبر الصامت، دون أن تشكو حالها لأحدٍ، لم أسمعها تتذمَّر من شيءٍ، بل كانت الابتسامة تغطّي على معاناتها... كان وجهها البشوش مفتاح الأمل الذي فتَح للأقارب والمحبِّين باب تقديرها لهم، لذلك عاملتهم بطيب أصالتها، فاتحةً لهم بوابة ترحابها على مصراعيّها، لأنها عرفت معنى الاحترام، وبالأخص تجاه جيرانها الذين لم يتركوها، بل ظلّوا على تواصلٍ دائمٍ معها. الواجب الاجتماعي كان بالنسبة للعمّة نُهى فرضًا من فروض يوميّاتها الإلزاميّة، كانت حاضرة معنا في مناسبات عديدة، أدّت واجبها من خلال زيارتنا في بيتنا الذي وضعته في أعلى سُلَّم اهتماماتها، عرفانًا لصلة القرابة التي ربطتنا بها. في زيارتي الأخيرة لها استطاعت أن تتمتم بإسمي وهي في عزّ مرضها، هذا يعني أن سلسلة ذكرياتها ما زالت محفوظة في علبة ذاكرتها. الهاجس الوحيد الذي أرِّقها، هو حياة الغربة التي يعيشها شقيقها سمير الذي ظلَّ همَّها الوحيد، فكانت تطمئنّ عليه هاتفيًّا بين الفينة والأخرى، وعندما كان يزور أهله في شفاعمرو، كانت تغمره بحبِّها، ليغمرها بوفائه لها... لقد أحاطت أشقّائها بطوق من التعاضد، علَّقَته على صدورهم، علَّمتهم أهميَّة التّآخي... رعتهم بحنانها... حمتهم بتضحياتها، ليكونوا قريبين من دفئها. ما زلتُ أذكُر العمَّة نُهى وهي جالسة بهدوء في الليوان الرَّحب، عزيزة النَّفس، يُشِعُّ منها الوقار، لقد كان الأحفاد يمدُّونها بمصل التفاؤل، تراكَضوا لخدمتها، منحوها أفضل ما عندهم من رعاية يومية دائمة، وبالأخص من شقيقها المرحوم الياس جبّور الذي ظلَّ رقيبًا يوميًّا على صحَّتِها حتّى آخر يومٍ في حياته، كذلك لن أنسى العم زياد جبّور الوصيّ الأمين عليها، فكانت وجهته اليوميَّة، ليحافظ عليها حتّى تبقى واجهة المنزل... في آخر أيّامها ظلَّت العمَّة نهى مُعزَّزَة، أمَّن لها أفراد العائلة المتطلَّبات العلاجيَّة اللازمة، حتّى أمَّن لها الرَّب مكانًا أبديًّا، فمنحها الرّاحة بين أحضان ملائكته، وأسكنها في ديار الحياة الأبديَّة.
|